سألني أحدهم قائلاً: بحثت عن كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب» للرئيس البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش في معرض الكتاب الأخير فلم أجده، فهل تعلم أين يباع هذا الكتاب؟ أخبرته أني قرأت هذا الكتاب الموسوعة قبل نحو 18 عاماً، والآن من الصعب أن تجده في رفوف المعارض، أو حتى في المكتبات، لأننا في عصر الرواية الحديثة!
مع مطلع الثمانينات وحتى التسعينات كنا نستعد أيما استعداد لزيارة معرض الكتاب، حيث روايات فيكتور هيغو، وتولستوي، وغوته، وشارلز ديكنز دوستويفكسي، ومع انتشار الروايات العربية لنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وبعدها للجيل الأخير من عمالقة العرب كعبدالرحمن منيف وغازي القصيبي، أغلقت الرواية فوائدها في وجه القراء، حتى جاءنا من الروائيين المراهقين الذين أتحفونا بالهراء غير الجميل.
تحول معرض الكتاب الذي كان يرتاده المثقف البحريني، إلى «قهوة» شبابية لعرض الروايات السطحية والتافهة لتباع بأضعاف أسعار كتب المخضرمين الأوائل من الكتاب والروائيين، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مستوى انحطاط الوعي العربي، خصوصاً بين شبابنا الذين آثروا قراءة السطحية على العمق، والاهتمام بقراءة الفنجان أكثر من قراءة الواقع.
حين تزور معارض الكتاب في الأعوام الأخيرة، ستتأكد أن كتابة الرواية اليوم أصبحت أسهل بكثير من أكل وجبة سريعة في السيارة، فما عليك سوى أن تشتهر فتطرح نفسك قبل طرح روايتك في مواقع التواصل الاجتماعي كلها، ثم تتقن فنون الغزل من أجل أن تقوم بالتوقيع على غلاف روايتك التافهة للمراهقات والمراهقين، فالأمر لا يحتاج إلى رصيد ثقافي على الإطلاق ولا إلى خلفيات تاريخية أو أدبية، ولا حتى إلى معرفة بقواعد الإملاء واللغة العربية لتكون روائياً عربياً، بل تحتاج لمصفف شعر وملابس عالمية وجمهور «أهبل».
من حقنا أن نقوم بتشجيع الشباب المراهق على الكتابة والإبداع، لكن من الخطورة أن نخلق منهم روائيين وأن نصفق لهم في الوقت الخطأ، إذ ليس من المتقبل أن نزج بمراهق لم يعرف حتى أبجديات اللغة العربية الغزيرة بمعانيها ومعطياتها ومفرداتها في مسلك الكتابة الروائية، فكتاب الروايات عبر التاريخ، هم من قضوا حياتهم في خوض غمار التجارب الإنسانية بكل تفاصيلها وآلامها، وحين اشتعلت رؤوسهم بالشيب، بدؤوا يكتبون الرواية.
الرواية ليست «كلام فاضي»، بل هي مجموعة من الخبرات والتجارب البشرية تصاغ في قوالب علمية وأدبية رصينة ومحكمة، أما ما يقع بين أيدينا من روايات، فهي لا تعدو أن تكون «خربشات» حيطان لا أكثر.
من يزور معرض الكتاب، سيجد تحولق المراهقات حول مراهق من الروائيين الجدد، من أجل التوقيع لهم بكلمات تقطر غزلاً غير عفيف، وفي مقابل هذا المشهد المخزي يجد الزائر بقية المكتبات التي تعجل بالفكر والفلسفة والعلوم خاوية على عروشها، حينها سيكون من حقه أن «يتحسر» على الزمن الجميل، إذا كان من أبناء الزمن الجميل فقط.