ما ينبغي أن يعلمه المحرضون على الخروج في مظاهرات ومسيرات واختطاف الشوارع بإشعال النيران في إطارات السيارات ونشر الفوضى وتعطيل حياة الناس ودفع الذين تعودوا الاستماع إليهم وطاعة أوامرهم إلى عدم التوقف عن هذه الممارسات في أيام عاشوراء، ما ينبغي أن يعلموه إضافة إلى أن كل هذا الذي يحرضون عليه لا ينتج مفيداً بل يضر فاعليه، هو أن بينهم من يريدون أن يستذكروا هذه المناسبة بالكيفية التي تستحقها، فالمناسبة دينية والمحتفون بها يهمهم ألا يعكر صفوهم أي فعل غير مسؤول يشغلهم عنها، وهذا حقهم الذي يكفله الدستور وينظمه القانون.
في الأعوام الأربعة الأخيرة لم يستجب أولئك إلى نداءات هؤلاء فاستمروا في نشاطهم المخالف للقانون في أيام عاشوراء، وتسببوا بأفعالهم التي لا تختلف عن أفعال المراهقين في إيجاد حالة من القلق كادت تحرف المناسبة عن سبيلها وتخرب الأجواء التي استعد لها من تعود على الاستعداد لها ويأمل أن يحرز من خلالها ما يوفر في نفسه السكينة والراحة، لكن هذا العام مختلف تماماً عن الأعوام السابقة بسبب الوضع غير العادي الذي تمر به المنطقة وما شهدته الشهور الأخيرة من حوادث أليمة راح ضحيتها الكثيرون، وهي أمور لا يمكن استبعاد حصولها هنا وفي هذه المناسبة تحديداً.
لو كان من يحرض على كل تلك الممارسات عاقلاً لاتخذ قراراً بتجميد كل الأنشطة الخارجة على القانون قبل حلول شهر محرم وعلى مدى أسبوعين على الأقل، فهذا إضافة إلى أنه حق للذين يريدون الاحتفال بهذه المناسبة فإنه تفرضه الظروف الأمنية، ومن غير المعقول أن «يتسبب» هؤلاء على الناس ولا يمنعون عنهم الأذى وهم يرفعون الشعارات التي يقولون إنها من أجلهم ولصالحهم، حيث صالحهم في هذه الفترة هو أن يحظوا بالأجواء التي تيسر لهم استذكار هذه المناسبة.
هذا العام مختلف كثيراً عن الأعوام السابقة ولا يحتمل الممارسات التي لا تعود أساساً على فاعليها بأي خير، لذا فإنه يجب على من يقوم بالتحريض أن يعجل باتخاذه القرار الذي يمكن أن يعين على أن تمر هذه المناسبة على خير ومن دون أن يتضرر خلالها أحد.
أيضا يجب على وسائل الإعلام التابعة لـ «المعارضة» وتلك الداعمة لها أو المتعاطفة معها أن تتوقف هي الأخرى عن ممارسة الدور التحريضي الذي تعودت على ممارسته، على الأقل في هذه الفترة، ليتسنى لمن يريد الاحتفال بمناسبة عاشوراء أن يحتفل بها من دون قلق وبراحة بال، فالوضع لا يحتمل أسلوب المبالغة الذي تعتمده فتعتبر ضبط بعض الأمور في الشوارع والأحياء السكنية اعتداء على مظاهر عاشوراء، وتصنع من إنزال علم أو لافتة وضعا في مكان خاطئ قصة ورواية وسبباً لتوتير الأجواء والتحريض ضد الحكومة، فهناك أمور لا تحتمل المبالغة في تناولها، وهناك مناسبات ينبغي أن تحترم وألا تستغل وتوظف سياسياً.
واقعاً، لا يمكن للمحرضين أن يقوموا بفعل عاقل فيتوقفون عن التحريض في هذه المناسبة التي يسهل فيها التحريض بسبب الجو العام وبسبب توفر الجمهور، وواقعاً لا يمكن لذلك الإعلام أن يستجيب لمثل هذه الدعوة لأنه سيعتبر استجابته تخاذلاً وتقصيراً وسيعاني من الفراغ، إذن لا بد من أن يقوم العقلاء من المعنيين بهذه المناسبة بواجبهم فيفرضون على هؤلاء وأولئك ما يرون أنه يمكن أن يضمن سلامة موسم عاشوراء وسلامة المشاركين في مواكب العزاء، ولتسير الأمور بشكل طبيعي، فالمسؤولية تقع عليهم قبل أن تقع على أولئك المحرضين على اختلاف هوياتهم وألوانهم، ويكفي أنهم – أي العقلاء – لا يفكرون في استغلال المناسبة وتوظيفها سياسياً، ويكفي أنه يهمهم أن تمر هذه المناسبة على خير، فهم عكس أولئك تماماً.