عندما تسافر وتزور بلداناً مختلفة فإنك بالضرورة تعود بخبرات ولمحات عن ثقافة وعادات وتقاليد تلك البلدان وشعوبها، بعضها ليس بغريب عليك، كونها أموراً موجودة في مجتمعك وتمارسها أنت ومن حولك، وبعضها جديد وغريب عليك.
هناك مشاعر متناقضة تعتريك إزاء أي تصرف أو فعل، سواء بالقبول وبالإعجاب، أو على العكس بالاستنكار وبالامتعاض، وذلك حسب مقاييس لديك بالضرورة سواء في الوعي أو اللاوعي، تكون مرتبطة بمعايير الصواب والخطأ، أو معادلة القيم والأخلاقيات.
الأشياء التي تعجبنا ينتابنا حيالها شعور مشترك، يتمثل بالرغبة بأن تكون سواء ممارسات أو تصرفات أو عادات موجود لدينا مثلها في بلادنا، من وقع إحساس وقناعة لدينا بأنها ممارسات راقية ومثالية، وعبر تطبيقها في أي مجتمع، فإنها تسهم في ارتقاء ممارسات الأفراد وترتقي بهم بالتالي يرتفع مؤشر «ثقافة المجتمع».
وعلى العكس تماماً، ولاحظوها في ردود أفعالكم، حينما ترون تصرفاً أو فعلاً تشمئزون منه، على الفور تكون ردة الفعل بالاستنكار، ونصل لدرجة حمد رب العالمين بأنه لم يبتل مجتمعاتنا بها.
النجاعة تكمن في الاستفادة من الظواهر الإيجابية ومحاولة نقلها لمجتمعاتنا لتحل محل ظواهر وممارسات خاطئة. الذكاء يكمن في نقل الخبرة إلى مجتمعك، بحيث تساهم في إصلاحه، وهنا لا تستهينوا بالعملية، إذ كثير من عمليات تغيير رتم الحياة المجتمعية وتصحيح مسارات المعايشة مصدرها إلهام نابع من تقدير ممارسة أو إعجاب بنمط وسلوك.
على سبيل المثال، مسألة الطوابير أمام المحلات أو مناضد التذاكر مثل السينما وغيرها، لاحظوا الثقافة السائدة لدينا وقارنوها بنفس الممارسة في الغرب. هناك لديهم ثقافة سائدة تحترم النظام بحيث يشكل الناس صفوفهم بأنفسهم دون الحاجة للوحات إرشادية أو منظمين، تراهم منظمين في وقوفهم وانتظارهم في كل شيء بلا استثناء. لكن لدينا نرى ثقافة الفوضى سائدة، لا احترام للنظام، تحاول الوقوف في طابور فترى الناس يدخلون عليك يمنة ويسرة، سواء أكان في عزاء أو أبسطها عند «الخباز» وقيسوا على ذلك، حتى الأطفال ترى كيف هم يفتقرون لتوجيه الوالدين بشأن ثقافة الممارسات الصحيحة، والسبب بسيط كونها -أي الممارسات الصحيحة- لا تصدر عن مصدر التعليم الأول وهو المنزل.
حتى في رمي المخلفات في صناديق القمامة أو أكياسها عوضاً عن الشارع، أو في احترام إشارات المرور أو خطوط المشاة التي لو أردت أن تدهسك السيارات حاول أن تعبر عليها، بخلاف الدول الغربية والتي تقف السيارات لزاماً حينما ترى المشاة يقفون عند الخطوط، أو يخاف من يرمي المخلفات في الشارع.
أمثلة كثيرة يمكن تعدادها، ومن يسافر منكم يمكنه ذكر الكثير أيضاً من ممارسات تحصل هناك أمامنا فتعجبنا فنحاول ممارستها بنظامهم ونقول بحسرة: «ليتها عندنا في بلادنا».
كل هذا معني بالحديث عن «ثقافة الشعوب» ولا نعني بها هنا -أي الثقافة- آثاراً ومسارح وتحفاً وتاريخاً، بل نتحدث عن ثقافة تنظيم وقوانين ونظام، نتحدث عن ثقافة تشكل «نمط حياة» و»أسلوب تعامل» مع كافة الأمور، ترتقي بفكر المرء وقناعاته وتطور ممارساته وترتقي بسلوكياته.
لا يوجد مجتمع تطور بنفسه، أو شكل ممارساته وصنعها من الفراغ، بل المجتمعات المتقدمة استفادت بالضرورة من نظيرتها واستقطبت الطيب والمثالي والإيجابي منها وأبدلته بالسيئ وعديم النفع، والأجمل بعدها حين يصبح المجتمع نموذجاً يحوي كثيراً من الممارسات الإيجابية التي يعبر عنها أفراده، فيتحول بعدها لمجتمع مصدر لثقافته وسلوكياته.
هي ثقافة شعوب راقية، لكن بدايتها تكون عبر الأفراد، وكثير منها بني على مشاهدات خارج الحدود، ونقل خبرات إيجابية من الخارج إلى الداخل، برغبة التطوير والتغيير للأفضل.