يعقد مركز البحرين للدراسات والبحوث الاستراتيجية والطاقة «دراسات» بمقره في العوالي، صباح اليوم، ندوة بعنوان «المنظمات والمؤسسات العالمية غير الحكومية بين المهنية والتسييس»، يناقش المشاركون فيها دور هذه المنظمات والمؤسسات في تطوير العمل غير الحكومي، ويتطرقون إلى جوانب مختلفة لواقعها من خلال التقارير التي تصدرها.
أهمية الندوة تكمن في أنها تناقش موضوع الخلط الذي تقع فيه بعض المنظمات والمؤسسات غير الحكومية بين عملها الذي تم تأسيسها من أجله، وبين دخولها الخاطئ في العمل السياسي، والذي يجعلها تنحاز لطرف دون آخر، فتفقد صفة الموضوعية التي ينبغي أن تحافظ عليها. هذه المنظمات والمؤسسات غير الحكومية كثيرة، منها ما يهتم بالدفاع عن البيئة ومنها ما يعنى بالفساد في دول العالم، ومنها ما يهتم بالإغاثة ومنها من يراقب حرية الصحافة في العالم أو يعنى بمناهضة التعذيب أو يدافع عن حقوق الإنسان الخ ...
حسب التعريفات فإن المنظمة غير الحكومية مؤسسة ذات مصلحة عامة، لا تخضع لحكومة ولا لمؤسسة دولية، لكن ذلك لا يمنع من أن تتعاون أو تتلقى مساعدات وتمويلات من الحكومات، رغم أنها تأسست وتنشط دون رقابة من الحكومات الوطنية. هذه المنظمات ابتكرت مفهومها الأمم المتحدة واعتمدت لها معايير أساسية منها أن تكون أهدافها موجهة للمصلحة العامة وليس للربح وتتخطّى مصالح أعضائها.
في المجمل، هذه المنظمات والمؤسسات كيانات مهنية تؤدي عملاً مهماً ومفيداً ومطلوباً، إلا أن هيمنة البعض على مجموعة منها وتحكمه فيها أدى إلى أن تتحول من منظمات ومؤسسات مهنية إلى منظمات ومؤسسات عمادها السياسة، وتتخذ موقفا سالبا من كل حكومة وموقفا موجبا من كل معارضة، بغض النظر عن كل شيء، وهو ما أوقعها في إشكالات كثيرة أثرت على مصداقيتها لأنه من غير المعقول أن يكون كل ما يصلها من الحكومات كذباً وما يصلها من المعارضة صدقاً.
وككثير من بلدان العالم نعاني في البحرين من تصرفات بعض تلك المنظمات، التي تجزم أن كل ما توفره الحكومة من تقارير مشكوك في صحتها، خصوصاً إن احتوت على أرقام أو تعلقت بأمور ذات علاقة بحقوق الإنسان، بينما تعتبر كل ما توفره المعارضة من تقارير صحيحة ودقيقة ولا تحتاج حتى إلى مراجعة! والسبب هو أن علاقتها بالمعارضة قوية، ربما لأنها تعتبر نفسها معارضة طالما أنها غير حكومية. هذا يستدعي أن نعترف أيضاً بأن المعارضة تمكنت منذ سنوات طويلة من التغلغل في تلك المنظمات، وصارت قادرة على التأثير فيها وحرفها عن الموضوعية، بل صارت جزءاً منها ومعيناً لها على اتخاذ القرار، حتى أن البعض صار يشكك في أنها تحصل من المعارضة أو ممن يقف وراءها على دعم مالي.
هذا يعني أن الحكومة مهما فعلت فإنها تظل في عيون تلك المنظمات والمؤسسات مقصرة وغير عادلة وغير شفافة، ولا تهتم بحقوق الإنسان وتمارس كل ما تقول المعارضة عنها أنها تمارسه. وهذا يعني أيضاً في المقابل أن الكثير من الحكومات تشكك في موضوعية تلك المنظمات بسبب علاقتها غير الطبيعية بالمعارضة، ومن ثم بمن يقف وراءها ويدعمها، إضافة إلى أنها تسعى إلى التدخل بشكل أو بآخر في الشؤون الداخلية للبلدان، وهو ما لا يمكن لأي بلد أن يقبله أو يقبل أن تكون تلك المنظمات حكماً بينها وبين بعض مواطنيها أياً كانت الصفة التي يدرجون أنفسهم تحتها. فوجود معارضة تشتكي وتقدم تقارير دورية واتهامات لا يعطي تلك المنظمات الحق في التدخل أو حتى الانحياز لطرف دون آخر، لأن هذا باختصار يخرجها عن أهدافها.
واقع حال بعض المنظمات والمؤسسات الدولية غير الحكومية يؤكد أنها خرجت عن المهنية إلى التسييس، فأضاعت مصداقيتها وموضوعيتها.