بارك الله فيه من قرار وجعله امتداداً لقرارات طيبة مباركة، يعز بها وطن الكثير من الشهداء، وطن ينجب رجالاً تعلو بهم هامة البحرين، وتزهو بهم الأمة، حين يضحون بأرواحهم في سبيل الله، وإعلاء كلمته، يضحون بأرواحهم دفاعاً عن دينهم وعن أعراض المسلمين، وعن ديارهم، إنه قرار ملكي مبارك بإحياء ذكرى شهداء الوطن في 17 ديسمبر من كل عام، إنه التاريخ الذي سوف يحفر في ذاكرة الأجيال، أن آباءهم وإخوانهم قدموا أنفسهم من أجل أن يبقى هذا الوطن عزيزاً كريماً، وأن تبقى أرض الإسلام عصية على أعدائهم، إنهم الشهداء الذي سفكت دماؤهم في البحرين وفي اليمن.
إنه ليس غريباً ولا عجيباً على أبناء البحرين الشهادة، فهم أحفاد الصحابة الكرام، وهم من أصلاب سلف صالح، له مآثر عبر التاريخ، من زمن الغزوات والفتوحات وحتى الماضي القريب والحاضر الجميل، الذي تعيشه اليوم الأمة، حين يكون خيرة أبنائها في أول صفوف المجاهدين، إنها بشارة عودة المجد، وذلك حين تقدم البحرين شهداء رووا بدمائهم أرضها، فأزهرت الأمل الذي سينير طريق الأمة، ويعود بمجدها السالف ويعيد تاريخها المجيد، ليكون هناك تاريخ جديد بين سطوره تسطر الملاحم، وفيه تحكى روايات التضحيات والفداء التي نقشتها دماء شهداء البحرين على أرضها أو في أرض اليمن، ولن يكون هناك حد للشهادة فأرض الخليج واحدة، والتضحيات ستكون قادمة من أبناء البحرين الذين لن يترددوا في الدفاع عن كل شبر في الخليج أو أينما اقتضت المواجهة مع العدو.
وهكذا يكتب تاريخ مجيد عندما تسجل الملاحم التي مر بها الوطن منتصراً على أعدائه، الملاحم التي سقط فيها الشهداء، فالشهادة في سبيل الدين ودفع العدو عن أرض المسلمين لا تحتاج إلى بطاقة هوية أو جنسية، فها هم الشهداء الذين سقطوا في المعارك عبر التاريخ الإسلامي سواء في الغزوات أو الفتوحات الإسلامية لم يكونوا جميعهم ينتمون إلى مكة والمدينة، فمنهم من جاء من اليمن، ومنهم الصحابي عمار بن ياسر وسعد بن معاذ، والكثير منهم، الذين استشهدوا في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الفتوحات الإسلامية، إذن هم الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكم من الذين كانوا من أهل قريش، وهم من ألد أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، إذن الشهداء الذين احتفى بهم التاريخ لم ينظر إلى هويتهم أو مسقط رأسهم، إذن فالاحتفاء بالشهداء هو هوية الأمة ودليلها في الصراع مع أعدائها والدفاع عن سيادتها وعن عقيدتها، فما حدث في البحرين من مؤامرة انقلابية مدعومة من إيران، كان بمثابة حرب على هوية الأمة بأجمعها، وذلك حين تكون هذه الحرب حرب عقيدة وسيادة وملك مهدد بالاغتصاب من قبل عدوها، ولذلك كانت الدماء الزكية التي سفكت من قبل المؤامرة الانقلابية هذه، وعلى مر تاريخ البحرين في الدفاع عن أمنها وشعبها، هي دماء شهداء قدموا أرواحهم، ومازالت هذه الدماء تسفك حتى اليوم في مواجهتها مع العدوان الداخلي من قبل أذناب إيران، وكذلك هي دماء جنود البحرين التي سفكت في اليمن، كان سفكها في سبيل إعلاء كلمة الله، ورد الظلم عن المستضعفين الذين غدر بأرضهم وأمنهم ودمائهم.
قرار حكيم من جلالة الملك بأن يحتفى بيوم الشهداء في 17 ديسمبر، والذي يوافق الاحتفال باليوم الوطني للبحرين، وذلك كي يعلم من لا يعلم، أن البحرين لا يمكن أن تترك تاريخها وتواريخها يعبث بها سارقو الأوطان، وعملاء إيران، ولا يمكن أن تكون هناك كلمة فوق كلمة الوطن، فتاريخ 16 ديسمبر يوم مجيد يحتفل به الشعب باليوم الوطني، و17 ديسمبر تاريخ تأكيد وشهادة أن هذه الأرض ارتوت بدماء زكية، لا يمكن التفريط في حقها، ولا يمكن استرخاص تراب وطن سالت عليه تلك الدماء في سبيل الدفاع عن أمنه واستقراره وردع عدوان من فئة باغية في الداخل، وعدو متربص من الخارج.
* حق الشهداء: إن من أول حقوق الشهداء هو الاقتصاص لدمائهم، بتنفيذ القصاص العادل الذي شرعه الله في كتابه وفصله تفصيلاً، وذلك لحرمة قتل النفس عند الله، ولذلك يكون أول شيء يقضى فيه بين العباد هي الدماء، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء».