لم تجد إيران بداً من الاعتراف بأن دور عسكرييها في سوريا ليس استشارياً فقط ولكنه تشاركي أيضاً، فقد أعلن مسؤول إيراني أخيراً أن الجنرال الإيراني حسين همداني أحد قادة الحرس الثوري الذي قتل في سوريا على يد تنظيم الدولة «داعش» «شارك في 80 عملية»، الأمر الذي يطرح سؤالاً عن عن حقيقة وسر تواجد العسكريين الإيرانيين في سوريا، هل هو استشاري كما يحلو لإيران أن تردد دائماً؟ أم أنهم يشاركون في العمليات العسكرية هناك؟ وإذا كان استشارياً فما هو تفسير إيران لمشاركة همداني في 80 عملية عسكرية؟ تناقض يكشف ابتعاد التصريحات الإيرانية عن الصدق، وإلا كيف يمكن للاستشاري أن يترك عمله الاستشاري ويشارك في المعارك؟!
واقع الحال يؤكد أن قوات إيرانية تشارك في القتال إلى جانب «حزب الله» وقوات النظام السوري، ولكن تحت عنوان مختلف، وأن الأمر نفسه يحدث في العراق، وبالتالي لا يستبعد أن يكون هناك شيء من هذا القبيل يحدث في اليمن خصوصاً وأن استمرار الحوثيين في القتال كل هذه المدة يحتاج إلى تفسير منطقي.
إيران لا تتواجد في سوريا والعراق وغيرهما لتقديم الاستشارات فقط، إيران تقاتل جنباً إلى جنب مع من تريد له أن ينتصر فينفعها ويخدم خططها واستراتيجياتها ويسهل عليها وصولها إلى أطماعها، وهذا ما يؤكده تصريح المسؤول الإيراني نفسه الذي قال خلال تشييع همداني «إن أمننا لا يقتصر على حدودنا فقط بل مرتبط بالمنطقة كلها»، أي أن إيران «لن تنتظر حتى يصل الخطر إلى دارها».
لولا وجود ومشاركة القوات الإيرانية في سوريا لما تعقدت الأمور فيها، ولولا وجودها في العراق لانتهت كثير من مشاكله منذ زمن، ولولا أن لها دوراً في اليمن لانتهت مشكلاته، ولما كانت هناك حاجة من الأساس لـ»عاصفة الحزم». لم يعد مقنعاً قول إيران إن عسكرييها يتواجدون لتقديم الاستشارات، فمن يقدم الاستشارات لا يشارك في 80 عملية، ولا يتم الترصد له من قبل القوى الأخرى، ولا يتواجد في أرض المعركة لأنه باختصار استشاري وليس محارباً.
الواضح أيضاً أن إيران اضطرت إلى الاعتراف بأن لها عسكريين في سوريا والعراق يقدمون الاستشارات، فقد كانت تنكر هذا الأمر من قبل، وهذا يعني أنها لو لم تضطر إلى الاعتراف لاستمر عسكريوها يقاتلون ولكن بصفة مستشارين، وهذا يعني أيضاً أنها تتواجد في بلدان أخرى بطريقة أو بأخرى لتقديم «الاستشارات» وإن من خلال وسيط. طبعاً لا يمكن إقناع أحد هنا بأن القائم بأعمال السفارة الإيرانية الذي تم إبلاغه بأنه غير مرغوب في بقائه في البحرين، واضطر للمغادرة لم يكن أحد الوسطاء أو الاستشاريين وأنه كان يقوم بدور مماثل للدور الذي كان يقوم به الجنرال همداني في سوريا، خصوصاً وأن الجميع يعلم دور إيران في أحداث البحرين في فبراير 2011 والذي تتوفر عليه الكثير من الأدلة والبراهين.
ترى كم عدد الاستشاريين الإيرانيين في سوريا؟ وكم عملية شاركوا فيها هناك؟ وكم عدد الاستشاريين الإيرانيين في العراق؟ وفي اليمن، وفي البحرين؟ سؤال يصعب توفير إجابة دقيقة له لكن الأكيد هو أنه يتوفر عسكريون إيرانيون كثر في العديد من البلدان بشكل أو بآخر وليس في سوريا والعراق فقط، يتواجدون بذرائع مختلفة وبأسماء وعناوين عديدة وبقبعات تتلون. وإذا كان خطراً تواجد استشاريين إيرانيين في سوريا والعراق وهم يعملون فوق الأرض، و»شاهر ضاهر»، فإن الأخطر هو تواجدهم في بلدان أخرى وهم يعملون تحت الأرض سراً.
المؤسف أن إيران تعين الجميع على عدم الثقة فيها، وإلا كيف يمكن للاستشاري أن يشارك في تنفيذ 80 عملية عسكرية؟!