- نحن مقبلون على حقبة صعبة.
- التقشف؟ ليست هي المرة الأولى التي اضطر فيها البحرينيون للتعاطي مع إجراءات اقتصادية صعبة نشد فيها الحزام.
- لا ليس هذا ما يقلق وليس هذا بالصعب على البحريني.
- موقفنا الدولي؟ بالعكس إنه ممتاز على الرغم من الكثير من التحديات إلا أننا نجحنا في الاحتفاظ بتحالفاتنا وبتوازناتنا.
- لا ليس هذا ما يقلقني.
- ماذا إذاً؟ أشد وأصعب من المؤامرات الدولية وأصعب من التقشف وشد الحزام؟
- ما يقلقني هو أن تمر الدولة بمثل هذه الظروف وهناك شروخ داخلية يصعب ترميمها لا تخدم حالة وحدة الصف التي نسعى لها لتخطي هذه الحقبات.
ما يقلقني هو ما يشاع وما يتردد في المجالس وما ينسب للحكومة إلى أنه في ظل هذه التحديات لن يسمح في الأيام القادمة بتوجيه أي انتقاد ولن يسمح بأي اعتراض على أي إجراء حكومي؟
- لماذا؟ لدينا صحافة ولدينا وسائل تواصل اجتماعي ولدينا مجالس مفتوحة ولدينا قانون للمطبوعات متطور وقريباً سيقر ولن يتضمن عقوبة لحبس أي صحافي أو إعلامي، فكيف في ظل هذه المنظومة لن يجرؤ أحد على انتقاد الأداء الحكومي؟ هذا افتراء غير مقبول.
- ومن قال إن الحكومات الآنية تحتاج إلى أدوات للقمع كي تخمد أصوات الاعتراض؟ ما يدور عند الناس الآن أن حكومة مملكة البحرين ولأول مرة في تاريخها بدأت تستعين بـ»أدوات القمع الناعمة» لإخماد أصوات معارضيها، وأنبه أننا نتحدث عن «معارضة حكومة» لا «معارضة حكم»!!
هذه «الأدوات الناعمة» -إن صح التعبير- لها أثر يفوق بكثير أي عقوبة للحبس على حرية التعبير وبالإمكان الاستعاضة بهذه الأدوات بدلاً من بند الحبس في قانون المطبوعات، فلا تحتاج الدولة أن تظل على قائمة الدول التي تقمع الحريات، بهذا البند ولا تحتاج إلى فرض عقوبات قانونية على أي من مخالفي حريات التعبير، وتكون عرضة للانتقادات والملاحظات من منظمات حقوقية أو غيرها، هناك طريقة أخرى للقضاء على أي معارضة وإخماد صوتها وتنظيف الساحة من أصواتها، وهذا ما يتردد عند الناس الآن في البحرين من بعد رصد العديد من الحالات المتكررة.
- وما هي هذه الطريقة الغريبة «السليمة» قانونياً؟
- السياسة الجديدة هي اللجوء إلى أشخاص آخرين غير رسميين للقيام بالمهام القذرة وتكليفهم بها «ساب كونتراكت» لاغتيال الأشخاص المعارضين للسياسة الحكومية اغتيالاً سياسياً، بمعنى القضاء على سمعته، فمن يبدي اعتراضاً أو من يقول رأياً مخالفاً فلن يستدعى من قبل النيابة، ولن يقدم فيه بلاغ، ولن يوقف عن التعبير، بل يترك ليقول ما يشاء ويبقى في موقع عمله، ولكن بدلاً من تلك الأساليب التقليدية في الاغتيال بالرصاص التي تقوم بها الحكومات الديكتاتورية، تستخدم أساليب جديدة، هي جديدة من حيث استخدامها في البحرين ولكنها معروفة في دول أخرى سبقتنا لهذا «الشرف»!
تقوم الحكومات في دول الواق واق باستئجار سقط القوم ومن يقبل أن يدفع له للقيام بهذه المهمات نيابة عنها فتدفع لهم لشن حملات ممنهجة منظمة تنهش في لحم من تشير له من بعيد وفي عرضه وفي شرفه وفي مصداقيته وفي نزاهته بأسماء هؤلاء وأحياناً من حسابات لأسماء مستعارة، كي يخاف ويتوارى ويتردد ويفكر ألف مرة قبل أن يقول رأياً منتقداً لإجراء حكومي.
- وهل يعقل أن نصل في البحرين إلى هذا المستوى؟ - هذا اتهام خطير هل هناك أدلة على أن «الحكومة» هي من يقف وراء هذه الحملات الممنهجة المنظمة؟
- لنحسبها بهذا الشكل.. الحكومة بريئة من هذا الاتهام الخطير.. لكن الوقائع الموجودة هي كالتالي: حملات إعلامية مضادة تشن على أي شخص يبدي اعتراضاً على نهج الحكومة تحدث فجأة ودفعة واحدة ولمدة معينة ومن أسماء مستعارة، هذا مقياس يرى بالعين المجردة لا يحتاج إلى تحرٍّ أو ذكاء لرصده لمعرفة أن العملية ممنهجة وليست عشوائية ولا تلقائية، وحين تجري هذه الحملات لتطال أي اسم يعترض على الإجراءات الحكومية، فإن أول من سيلام هو «الحكومة».
لنقل إن الحكومة بريئة من هذه التهمة ونتمنى ذلك فعلاً.. دعك إذاً من هذا التحليل السابق، ولنصل إلى التالي، بلغ إلى علم الحكومة أن هناك تواتراً للأقوال في المجالس وبين الناس أنها هي من يقف وراء هذه الحملات الممنهجة، لم تترك الحكومة اتهاماً خطيراً كهذا يطالها ويمس سمعتها وسمعة القائمين عليها؟ لو أرادات الحكومة أن تنفي عن نفسها هذه التهمة لكان من السهل تتبع القائمين على هذه الحملات ومعرفة من يقف وراءها. فقسم الجرائم الإلكترونية الآن متطور جداً واستطاع تتبع العديد من الأسماء المستعارة ووصل إليها خلال ساعات، فهل يصعب عليها أن تصل إلى نتيجة بأن هذه الحملات منظمة أم لا؟ ومن يديرها إن كانت منظمة؟
- قد يعد هذا التراشق خلافات شخصية بين أفراد، فلم تتدخل الحكومة؟
- أي راصد أو مراقب يعرف أن هذه الحملات هي نهج جديد دخل الساحة مؤخراً وتديرها حسابات معروفة ومتخصصة لتشن على من يوجه انتقاداً أو اعتراضاً على أي إجراء أو سياسة عامة تنسب للحكومة، فهل هناك أسماء مستعارة بهذا العدد وهذا الكم ممكن أن تكون تعمل بشكل عشوائي وبتلقائية ودفعة واحدة وبلا توجيه وبلا «مصلحة» ذاتية لمهاجمة كل ما يخالف خط الحكومة؟ حدث العقال بما يعقل.
السؤال هنا.. هل تقبل أي حكومة أن تنسب لها مثل تلك السياسة «غير النظيفة «وهذا الوصف هو أخف ما وجدت، في التعامل مع من يعارض أو يخالف العمل الحكومي؟ على الأقل البلاغ إلى النيابة العامة والتعامل القانوني يؤسس لدولة القانون ودولة المؤسسات التي نطمح.
هل هذه هي الديمقراطية التي نحلم بها؟ وهل هذا هو مقياس الرضا الذي تريد أي حكومة أن تسترشد به لتعرف أنها تسير على خط صحيح؟ هل تعتقد أي حكومة أنها ممكن أن «تنظف الساحة» وتخلو من أي رأي مزعج بهذا الأسلوب؟ هل هناك من أقنع سيده بأنه سيخلي له الساحة من المعترضين وأنه «سيضبط» كل من يعترض عليه؟
- هذا كلام خطير الله يعينك إذا على الحملة القادمة!!
- لست بشيء أمام هذا الوطن.. إنما الله يعين الوطن إن كان هناك أي نظام مقتنع بأن هذا الأسلوب سيخدمه في إدارته للدولة.. إنها من أكثر المرات التي تمنيت أن أكون فيها مخطئة ويخيب ظني.
الدولة دائماً بحاجة لتوازن في القوى حتى تستقيم الإدارة وهذا مقال الغد.