ليست عملية صعبة جداً، تلك المعنية باستقراء المزاج العام للشارع ومعرفة حدوده واتجاهاته، خاصة في مجتمع مثل البحرين.
وعليه حينما نرى سجالاً أو اختلافاً يحصل بين مسؤولين في السلطة التنفيذية ومن يقف على الضفة الأخرى في السلطة التشريعية، يقفز إلى أذهاننا كصحافة «يفترض» أنها تمثل «صوت الشارع» تساؤلات مفادها: وماذا عن المواطن؟! ما رأيه؟! وماذا سيقول باعتبار أن القضايا الجدلية كلها تتمحور حوله؟!
نذكر بهذه التساؤلات لأننا بالفعل نرى «انحرافاً» عن الهدف الذي من أجله أنشأت الدولة مؤسسات وقطاعات تعمل، ومن أجله أعيدت الحياة النيابية.
المنطق يقول إن كل حراك في البلد لابد وأن يفضي في النهاية إلى المواطن، لابد وأن تنتهي نتائجه لتتشكل كمكسب للمواطن، أو تحسين لخدمات تقدم له ضمن سلسلة «الحقوق»، أو حل لمشكلاته.
لكن حينما يسود الجدل وندور في دوامة الأخذ والرد دون نتيجة يستفيد منها المواطن، فإننا أمام خلل بالضرورة في فهم المقصود من تعاون السلطات لأجل ترقية الأداء وتحسين الخدمات، وأمام ضياع البوصلة التي يفترض أن مؤشرها يركز على كون المواطن هو الأساس، وهو الشعار الذي دائماً ما نجده في تصريحات المسؤولين أو حتى النواب والشوريين.
كثيرة هي الحالات والأمثلة، لكن التشابه فيما بينها يتركز على مسألة واحدة تتمثل بالمواطن، وهل له رأي فيما يحصل، وهل أجهد مسؤول أو نائب نفسه ليعرف ماذا يريد المواطن قوله، وما هي وجهة نظره في هذه المسألة أو تلك؟!
ممثلو السلطات يرون الأمور بحسب نظرتهم، كل يفسرها بحسب «قاموسه» المهني، يراها من وجهة نظره صحيحة أو خاطئة، يحكم على تعاطي الآخر ورأيه ومطالبه من واقع قناعته بحكم موقعه، لكن المشكلة هنا، إن كانت المسألة معنية بالمواطن، إذ حينها لابد وأن يكون المواطن هو «الفاصل» في المسألة، وأن تكون له كلمة مسموعة.
مثلاً، ما حصل في جلسة النواب الأخيرة من اختلاف بشأن لفظ أو وصف صدر هنا أو هناك، وتسجيل اعتراض عليه وطلب شطبه من المضبطة، في المقابل إصرار عليه كونه يمثل الواقع. هذه الحالة تعبر عن ممارسة مشروعة لممثلي الحكومة، في مقابل أن النواب لهم الحق أيضاً في التعبير بصورة تعكس ما يختلج في الشارع ويترجم ما يقوله المواطن. لكن حينما يحصل الخلاف في مسألة معنية بالمواطن، لابد وأن يكون الاحتكام للمواطن نفسه.
تجميل الواقع مضلل في كثير من الأحيان، والتهويل في جانب آخر يجحف الجهود المبذولة، لكن بين هذا وذاك مواجهة الواقع بالحقائق على الأرض هي النقطة التي يجب البدء بها لحل أي مشكلة، ولإنهاء أي معضلة، بالتالي المواطن هو صاحب الحق في منح الوصف الدقيق لمشاكله التي يعاني منها، هو صاحب الخبرة الأكبر في شرح ظروفه ومعاناته، فهل سألناه، وانتظرنا جوابه، والأهم هل احترمنا ما يقول؟!
لذلك نقول دائماً إن النزول للناس مهم، معرفة ما يدور في الشارع بدقة هي أفضل طريقة لتشخيص الواقع، حتى إجراء الاستبيانات وطرح التساؤلات بسعي الحصول على أجوبة «شفافة وصريحة ومباشرة» حتى إن كانت «توجع» بكلماتها ووصفها، مسألة مهمة جداً لتحديد اتجاهات العمل وأساليب التعاطي.
لا نريد الخوض في التفاصيل كون العملية أكبر من سجال واختلاف في شأن لفظ ووصف، المسألة الأهم تتمثل بالمواطن، وهل بالفعل نريد أن نعمل من أجله، أم «نختلف» و»نتشاكس» باسمه؟!
اسألوا المواطن عن وضعه المعيشي، عن الخدمات التي يتحصل عليها، عن رضاه المجتمعي، هو أفضل من يقدم الوصف الصحيح وأفضل من يعبر عن حاله.
إن كنتم تريدون بالفعل حل المشاكل، اسألوا المواطن مباشرة، وتقبلوا رأيه برحابة صدر، هذا أقل الواجب بحقه، وتذكروا أنه ليس «السبب» في صناعة هذه المشاكل، بل هو المتضرر الأول والأخير منها.