هؤلاء الذين يبدعون في هتك البحرين ما هم إلا أناس مشوشو الذهن يعيشون صراعاً طائفياً ولا يريدون السلام بالشكل المطلق ولديهم إصرار على أن تكون البحرين عراقاً آخر


ثمة رابط كبير لا يمكن أن ينفصل بيني وبين مملكة البحرين، فأنا أدين لهذا الوطن بالكثير سواءً من التغيير الذي طال ثقافتي وفكري، أو حتى في الوعي الطاغي لمعنى التحضر تجاه العلاقات الإنسانية. استطاع هذا الوطن أن يدخلني إلى ما يسمى بالانفجار النموذجي للإنسان، التسامح، كيفية التعامل مع نموذج المرأة وثقته بها، التساوي بين الجنسين، الحقوق التي يمكن اكتسابها دون عناء، لذا لا عجب حين سميت بلؤلؤة الخليج، وهي تستحق هذا اللقب بجدارة، لكونها كانت سباقة في التقدم الحضاري والنهضوي منذ مئات السنين، وهي لا تزال تبهرك حتى الآن، وتجد على سبيل المثال «المنامة» العاصمة، مدينة مثيرة للمباهاة والتقدير، فهي تمتلك كبرياء قلما تجده في الدول العربية الأخرى.
كان من الممكن أن تكون البحرين مملكة في معنى التصالح الطائفي لولا البعض من الطائفة الشيعية، الذين لم يستطيعوا التصالح مع الوضع السياسي لحكومة البحرين. ولو كان هؤلاء المشاغبون يملكون ذرة بسيطة من العمق والفهم، بأن دولتهم لا تستحق الاستهانة بمكانتها وتاريخها العريق، والرغبة الصادمة في إدخال طرف آخر لا علاقة لهُ بها، لاكتسحت البحرين جميع دول الخليج العربي، كمملكة سياحية من الدرجة الأولى، نظراً لما تحمله من صيغ مغايرة لباقي دول الخليج، ففي المنامة يمكنك أن تطل على العمارات والبنايات الشاهقة، في حين أنك إن أردت أن ترى التراث الشعبي القديم، فكل ما عليك أن تتجه بسيارتك إلى المحرق مثلاً، لتجد طابع السبعينات لا يزال قابعاً في زواريبها الضيقة، من حيث رص المحلات بجانب بعضها، تلك التي تبيع الحلوى والمتو، والتي تعجن الخبز الإيراني، كما أنها لا تزال حريصة على أن تكون في المقدمة في بيع الذهب واللؤلؤ.
حتى الآن لم أجد أي من الذين أعرفهم، إلا وقد وجدوا أن البحرين تمثل بالنسبة إليهم معنى الطمأنينة القصوى، حتى بعد مرورها بعدد من الاضطرابات، التي طالت أولاً الجهاز الأمني وعقب ذلك المواطنين والوافدين، الجميع يتفق على أن البحرين تعني لأبناء دول الخليج مساحة من الحرية والراحة النفسية والطمأنينة والحياة البسيطة، وعدم فجورها في ارتفاع الأسعار، فهي مناسبة لجميع الطبقات، لكن البعض لا يريد لهذه المملكة أن تستقر، وأن تحظى بفرصتها الكبرى في التطور إلى جانب الاستقرار النفسي لمن يعيش على أرضها، وحتى لزائري هذا الوطن الجميل.
أدين لمملكة البحرين بالكثير من الحب، فقد أكملت تعليمي الجامعي في أهم جامعاتها، وتعلمت عبر أساتذة كانوا خليطاً من جميع الدول العربية، إلى جانب امتلاك هؤلاء الأساتذة قدراً كبيراً من الخبرة والفكر المتميز والقدرة على السيطرة علينا نحن الطلاب، ومعاملتنا على نحو جميل من التقدير والثقة بأننا زملاء لهم لا مجرد طلاب، وأنا أشهد على هذا الأمر لأنني عايشت التجربة لسنوات طويلة.
ما يؤثر بي حقاً، هو أن البعض لا يريد أن يرى وطنه بهذا النجاح، وهذا أمر مرير وقاسٍ للغاية، أن يرغب البعض أن يعيش وطنه على حافة القلق والمهانة أمام بعض الدول، التي تريد أن تلتهم كعكة نجاح هذه الجزيرة ذات التاريخ العريق.
البحرين لن تتحول إلى عراق آخر، وإن ظنت بعض الكتائب التي تبنت آخر انفجار قامت به، إثر انفجار جسم في منطقة الجفير بمملكة البحرين، أسفر عن إصابة اثنين من رجال الأمن بإصابات بسيطة، أثناء قيام الدوريات الأمنية بواجبها في تأمين المنطقة.
وقالت الداخلية البحرينية عبر حسابها بـ «تويتر» إن الجهات المختصة تباشر إجراءاتها، وذكرت أن الحركة المرورية استأنفت على شارع الشيخ جابر الصباح في الاتجاهين بعد تأمينه من قبل الجهات الأمنية.
تبدو الرسالة مفهومة، أن الهدف من كل ذلك زعزعة الحس الأمني لدى رجال الأمن في البحرين، وإخافة السائحين من المكوث في البحرين، وهو بحسب علمي ما دفع الكثيرين إلى إنهاء عقودهم، والسفر إلى دول أخرى أكثر استقراراً وأمناً، ومثلما قلت في مقال سابق لي في صحيفة «العرب»، لماذا يتم قتل رجال الأمن فقط، فيما لا يتم وضع تفجيرات في المساجد والحسينيات التابعة للشيعة، فالهدف واضح ومفهوم للغاية. أقصى غاية إيران القضاء على السلام في مملكة البحرين، وترعيب وتخويف الأجهزة الأمنية، وهذا ما كنا نراه سابقاً، من مصادمات عنيفة بين المواطنين من المذهب الشيعي ضد أي رجل أمن بحريني.
وقبل 14 فبراير 2011 كانت مملكة البحرين، قد وصلت ذروتها في النجاح الاقتصادي، حيث كانت سكناً آمناً مستقراً لمعظم أفراد دول الخليج، حتى أنني كنت أظل أحياناً ساعات على الجسر، كي أستطيع أن أصل إلى الجامعة من فرط الزحمة الكبيرة على جسر الملك فهد، مما يعني أن هناك عدداً كبيراً من الزائرين إلى هذا الوطن الجميل، ووجود مثل هؤلاء الزائرين يعني أن مملكة البحرين لديها القدرة على احتواء هذا الخليط، والترحيب بهم، ما يسهم في إنعاش الاقتصاد السوقي من شراء وبيع في البحرين، لكن البعض للأسف الشديد باع نفسه إلى الشيطان، ولا يريد أن يكون وطنه أول الأوطان، بل أفضلها، لكنه يريد أن يقدم وطنه كعكة للشيطان، كل ذلك بسبب غضب وغيرة وخليط من القيم الحكومية والشخصية.
هؤلاء الذين يبدعون في هتك البحرين، ما هم إلا أناس مشوشو الذهن، يعيشون صراعاً طائفياً ولا يريدون السلام بالشكل المطلق، ولديهم إصرار على أن تكون البحرين عراقاً آخر، لا يتحدث إلا لغة السلاح، ولا يعيش دون أن يسمع دوي قنبلة، ويعيش حزناً أليماً على مقتل جاره بسبب مذهبه.

* نقلاً عن صحيفة «العرب» اللندنية