بعض المسؤولين الذين يمثلون قطاعات في الدولة تسهل عملية وقوعهم - أو إيقاعهم - في «مطبات» و»سقطات»، خاصة حينما يواجهون أجهزة إعلامية - بالأخص غير رسمية - وتحديداً حينما يكونون غير جاهزين سلفاً لإلقاء خطاب مكتوب بعناية، أو الإدلاء بتصريح «حبكه» خبراء الصياغة والكتابة.
الارتجال هذا يكشف كثيراً من الأمور، وهو ما تسعى إليه الصحافة اليوم، فهي تحضر المؤتمرات الصحافية للوزراء والمسؤولين، أو الفعاليات التي يتواجدون فيها، ولا يكون الاهتمام الأكبر منصباً على تغطية الحدث الرئيس، باعتبار أن هناك ثقافة «خاطئة» ترسخت بأن الجهة الرسمية سترسل خبرها الرسمي لكافة وسائل الإعلام «جاهزاً معلباً»، بالتالي لماذا يزعج الصحافي نفسه أو تبذل الصحيفة مزيداً من الاهتمام، فالخبر «المعلب» سيصل بالصياغة التي يريدها المسؤول والعناوين التي يفضلها والمضامين التي يريد نشرها، وعلى الصحيفة وضعه في صفحة بأسلوب «خذوه فغلوه»؟! بالتالي تكون مهمة الصحافيين في الفعاليات اقتناص تصريحات المسؤولين، وطرح التساؤلات عليهم والخروج بشيء حصري يميز الصحيفة في اليوم التالي، لا الاكتفاء بنشر خبر ستجده شبه مستنسخ في بقية الصحف.
مثل هذه الظروف وما تفرضه من ارتجال على المسؤول للرد على التساؤلات والاستفسارات هي التي تسفر عن تصريحات بعضها قد يكون بمثابة الخبطة الصحفية، وبعضها قد يكون ذا وقع كارثي.
والكوارث هنا تحصل حينما يكون المسؤول وجهاً لوجه مع الصحافة دون تخطيط أو استعداد مسبق، ودون مستشارين إعلاميين، ويواجه بأسئلة مفاجئة مباغتة، وبعضها يتعلق بمواضيع لا يفضل المسؤولون الإجابة عليها في الوقت الراهن، إما لقصور في المعلومات، أو لرغبة في الحفاظ على السرية، أو مداراة لحالة فشل وسوء تدبير.
لكن في المقابل الصحافة لا يهمها ذلك، هي تسعى للعمل على كشف المعلومات، وتمارس ذلك بقناعة أن المسؤول لابد وأن يكون جاهزاً في أي لحظة للرد على أي استفسار يرتبط بمسؤوليته، وإن عجز عن ذلك، فهو إما يثبت ضعفه في إدارة قطاعه والإلمام بشؤونه وإصلاحها، أو أنه يجهل تفاصيل التفاصيل بحيث يعتمد في كل شيء على مستشاريه المتخصصين في جوانب مختلفة.
لكن أين تكمن الكارثة الحقيقية؟! إذ ما ذكرناه أعلاه لا يمثل مصيبة من أي نوع، اللهم إلا في شأن اكتشاف قدرات المسؤولين وكفاءتهم وأسلوب تعاملهم مع وسائل الإعلام، والأسلوب الأخير يفترض أنهم تدربوا عليه وأتقنوه. الكارثة الحقيقية هي عدم القدرة على الرد بشكل واضح وشفاف «من قبل البعض»، بأن هذا الموضوع الفلاني أو العلاني لا تتوافر فيه معلومات حالياً، وأنه سيتم نشرها في حال كشفها، أو الرد على الاستفسارات في سياق منطقي عقلاني لا «يهول» أي موضوع ويضخمه، بل يضع النقاط على الحروف بشأنه.
الكارثة حينما يحاول المسؤول الإجابة على كل شيء، على أي سؤال توجهه له الصحافة ووسائل الإعلام، حينما يصر على الخوض في تفاصيل أمور دقائقها وتفاصيلها ليست متوفرة بعد. الكارثة حينما لا يستخدم المسؤول كلمة «لا تعليق» مع الإيضاح «بصدق» أن السبب عدم توافر المعلومات النهائية ورغبة في عدم تضليل الرأي العام بمنح معلومات منقوصة، طبعاً لا بأسلوب «لا تعليق» بنية «الصد» و»التهرب» من الإجابات.
لذلك تحصل زلات وسقطات، وقد رأينا ذلك رأي العين من واقع ممارسة، تصريحات يقتنصها الصحافيون من ألسن الوزراء والمسؤولين يكون لها تداعيات معقدة ومركبة ترونها في الشارع الذي يتداولها ويتفاعل معها.
لماذا نكتب هذا وكأننا نكشف سراً من أسرار المهنة الصحفية، وأسلوباً تقليدياً موجوداً منذ تأسست الصحافة لكنه يثبت نجاحه دائماً؟!
نكتب ذلك فقط لتنبيه الناس والقراء أن هناك فارقاً كبيراً بين التصريحات الرسمية التي تنشر لكثير من القطاعات وهي صادرة من إدارات العلاقات العامة، وبين ما تنشره الصحافة عنهم من واقع بحث واجتهاد و»خطف» لتصريحات المسؤولين، في النوع الأول أنت يا مواطن تقرأ ما يريدك الوزير أو الوزارة أن تقرأه، وفي النوع الثاني أنت تقرأ ما يجيب عليه الوزير والمسؤول من استفسارات توجهها الصحافة له، كثير منها تتشابه مع تساؤلات المواطن، طبعاً بالاعتماد على استقلالية الصحافيين في طرح التساؤلات.
الصحافة بإمكانها كشف حقيقة قدرات مسؤولين، بإمكانها تنبيه الرأي العام لأمور خطيرة، بإمكانها توجيه رسائل صريحة للقيادة بشأن بعض الممارسات الخفية في قطاعات معينة ليتم تصحيحها، ولذلك ترون كثيراً من المسؤولين يهتمون بالصحافة والبروز فيها والتصريح لها أكثر من عملهم الفعلي في قطاعاتهم، وبعضهم مستعد للكلام في أي شيء والرد على أي شيء، بالتالي تكثر السقطات وتزداد الخبطات.. الصحفية أعني!