هناك كلمات ومصطلحات بمجرد أن نسمعها تتردد في مجتمعنا وعلى لسان المسؤولين في الصحف أو وسائل الإعلام نصاب ـ بالضرورة - بحالة من القلق حيال «جدية» ما قيل وصرح به، وما إذا كان كلاماً لمجرد الاستهلاك الإعلامي أو لتخدير المتلقي وامتصاص غضبه أو احتواء مسبق لأي ردة فعل.
لاحظوا أننا في الاحتمالات السابقة استبعدنا خيار الإدلاء بمعلومات صحيحة أو أخبار جديدة، لا تشكيكاً في المصداقية، لكن لأن ما تعودنا عليه مؤخراً بشأن كثرة التصريحات وانعدام تطبيقها جعلنا كمتلقين لا نلقي بالاً لكثير من المصطلحات الرنانة، ونصنفها على الفور كمحاولة لدغدغة المشاعر وإطراب الآذان.
لا داعي لضرب أمثلة وتذكيركم ببعض الجمل التي قيلت كوعود ولم تحقق «المواطن لن يتضرر، المواطن هو الأساس، الرجل المناسب في المكان المناسب، محاربة الفساد .. إلخ»، وغيرها من شعارات لا نرى لها تطبيقاً حقيقياً على أرض الواقع بل نراها «تعشش» فقط في تصريحات المسؤولين، وتستخدم بشكل يومي وبتكرار مزعج.
من هذه المصطلحات والكلمات ما أصبح على لسان بعض المسؤولين بمثابة «العلك» الذي يلاك، كمصطلح «الخطة الإستراتيجية»، والذي أتوقف عنده اليوم لأتساءل: كم مسؤولاً خرج علينا ليتحدث عن «خطة إستراتيجية» معنية بقطاعه؟! كم منهم خرج ليقول إن لدينا خطة سنوية أو خمسية أو عشرية، وأنها خطة إستراتيجية؟!
كثيرون يخرجون منهم ليقولوا لنا إن لديهم «خطة إستراتيجية»، ما يعني أنها خطة وضعتها «عقول إستراتيجية التفكير»، ما يفرض أن العمل المبذول «إستراتيجي» في التنفيذ، «إستراتيجي» في النتيجة»!
لكن الكارثة تكون حينما تتردى المخرجات، ويسود العمل معوقات، وتتحول الوعود بالإنجاز إلى «تعهد آجل التحقق»، ويتحول رضا العميل إلى سخط، ويكون التخبط هو الشعار، والتجاوزات في ديوان الرقابة هي الإثبات، أن العمل أبداً ليس «إستراتيجيا» وفق «خطة إستراتيجية» وضعتها «عقول إستراتيجية».
كثير من المسؤولين يستسهل المصطلح، يظن أن «الخطة الإستراتيجية» مجرد عنوان أو وصف يوضع على «قائمة رغبات إدارية» تمثل أولويات لديه في القطاع، يظن أن أي «خربشة» على ورق يمكن أن تتحول لـمنهج عمل له تفاصيله ومحدداته وميزانيته وتوزيع للمهام فيه لمجرد «تغليفه» بكلمة «خطة إستراتيجية»!
لذلك كثير مما تم وصفه من قبل مسؤولين بـ»الخطط الإستراتيجية» لا يمثل على الإطلاق «خطة إستراتيجية» لا من قريب ولا بعيد، هو يظن أنها كذلك لأنه «سماها» بذلك، في حين أنها لا ترتقي لمسمى خطة لانعدام بنائها على أسس علمية وأرضية واقعية.
طبعاً لو كانت «خططنا الإستراتيجية» المعلنة على لسان كثير من المسؤولين بالفعل خططاً ترتقي لهذا التوصيف، ولو كانت فعلاً تطبق، فلماذا إذن ميزان الأداء في القطاعات مختل؟! لماذا هناك استياء لدى الناس تجاه مؤشر الخدمات؟! لماذا لدينا دين عام يصل لسبعة مليارات دينار؟! لماذا يفرض على الدولة اتباع سياسة «التقشف» إكراهاً لا اختياراً ؟! وغيرها من أسئلة لا مكان يكفي لحصرها.
كل ذلك لافتقارنا لوجود خطط إستراتيجية حقيقة، ولأن لدينا في جانب آخر مسؤولين يظنون أن التخطيط الإستراتيجي يكون حينما يصرح هو ويقول إن لديه «خطة إستراتيجية»!
والله زادت مشاكلنا وكثرت تخبطاتنا فقط لأننا لا نخطط ولا نهتم بالتخطيط كفعل لا كقول، وفي جانب آخر لأن لدينا مسؤولين لا يعترفون بالتخطيط ولا يعرفون أصلاً كيف يخططون بل يستخدمون المصطلح في تصريحاتهم كـ»محسنات بديعية». وهنا نذكر فقط، ففاقد الشيء لا يعطيه!