المذاهب الدينية المتعددة بجميع تلاوينها الشيعية منها والسنية موجودة ومستقرة على مفاهيمها ومعتقداتها في مجتمعاتنا الخليجية منذ أكثر من قرنين من الزمان، لم يحدث لها تغيير جذري، لم تدخل عليها معتقدات جذرية مغايرة «الأصولية منها والإخبارية» ظلتا على ما هي عليه إلا من تجديدات محدودة تصر هي الأخرى أنها تستند في دعواها التجديدية على ما هو موروث، ومع ذلك لم يشهد التاريخ خلال المائة سنة الأخيرة من حمل للسلاح وقتل باسم الدين بهذا الشكل المحموم البشع إلا في السنوات الأخيرة. القصد بأن هذه التطورات الدراماتيكية التي طرأت على القتل باسم الدين ليست مرهونة بمحتوى العقيدة الدينية فحسب والمطلوب مراجعتها رغم أن ذلك جزء من كل ويحتاج إلى تنقيح وتنقية، إنما الصورة الراهنة بشموليتها والمسؤولة عن هذه التطورات تضم أطرافاً متعددة ساهمت في تفاقم عدد المنخرطين في العمليات الإرهابية.
نحن أمام جماعات عابرة للحدود وجماعات سهل لها حمل السلاح وجماعات لم تعد بحاجة لقيادات مركزية لا في المكان ولا في الزمان، بل لا تحتاج إلى قيادات أصلاً، جماعات يجري تجنيدها وتدريبها وإيصال السلاح لها بالبريد المستعجل وهي في مكانها تستلمه عبر إحداثيات تنقل بالهاتف أو عبر الإنترنت!!
نحن أمام «جماعات مسلحة» ترعاها دول وتوظفها لمشاريعها، إيران ترعى جماعات من جهة ودول عربية ترعى جماعات من جهة أخرى وأمريكا ترعى جماعات منذ الثمانينات إلى اليوم، وأحياناً دوائر استخباراتية ترعى جماعات بعيداً عن أعين بقية الدوائر في دولها وبعيداً عن رقابة هذه الدول الشعبية وحرس ثوري يرعي جماعات وأصبح بالإمكان أن ترعى حتى الأشباح جماعات متفرقة، نحن إذاً أمام سوق مفتوحة عابرة للقارات وعابرة للإنترنت بالإمكان تجنيد خلية من عدة أفراد من أي جهة والخلية تتواصل مع عدد آخر من الخلايا وهكذا، هذا هو ما استجد الآن وجعل القتل باسم الدين سوقاً مفتوحة يباع فيها السلاح لمن يرغب، يجند فيها شباب من كل حدب وصوب عرب وغير عرب، حتى الشباب الغربي المغروس في الحداثة وما بعدها نجحوا في تجنيده، انفلت العيار وانفلت الزمام ومن كان يعتقد أن بإمكانه إحكام السيطرة والتوقف وقتما يشاء اكتشف أنه مخطئ الآن.
إنما يدهشك من يستفيق فجأة من يرى أن «الشحن» النفسي باسم الدين ممكن أن يربي قتلة! فقط حين يكون الضحية من ذات المذهب، يتم التنبيه إلى خطورة الشحن النفسي باسم الدين.
طوال السنوات الأربع الماضية قتل بشر من مذهب آخر باسم الدين ومن قتلهم كان مشحوناً شحناً دينياً مورست في شحنه كل أنواع المؤثرات من إسقاطات تاريخية إلى تسييس لمناسبات دينية إلى توظيف للمكان والزمان إلى مؤثرات صوتية وضوئية وسينمائية وشعرية وأدبية و و و و حتى خرج من بيته وهو يصيح لبيك يا حسين حاملاً معه أدوات الموت مؤمناً أنه يخوض حرباً مقدسة هيهات منها الذلة! اليوم فجأة نكتشف أن الشحن النفسي يهيئ ويعد قتلة على استعداد تام للقتل باسم الدين وعرضة لاستغلالهم وتوظيفهم من قبل جماعات عابرة للقارات!
نظرة سريعة على مواقع الإنترنت بأسماء القرى البحرينية سنجد المئات منها يقود حرباً دينية حسينية يبرر فيها القتل والموت باسم الثأر والحسين وأبي عبدالله ووو
أين كنتم عنها؟ لم نسمع لكم صوتاً ينبه ويحذر من مغبة هذا الشحن؟ والأهم ماذا فعلتم بمن نبه منكم من هذا الانزلاق؟ ماذا كان مصيره؟ قاطعتموه وحاربتموه وأقصيتموه واتهمتموه بشتى أنواع التهم من جنون إلى عمالة إلى... إلى. ولو وجد أبناء المذهبين في البحرين تعاوناً مجتمعياً من الطائفتين وإقراراً بوجود ثغرات عند الاثنين لوقف الاثنان حائطاً وصداً منيعاً أمام محاولات استغفال أبنائهم واستغلالهم وشحنهم، ولما ألقيت المسؤولية على الدولة وحدها رغم أنها مسؤولية جماعية، المشكلة أن المجتمع البحريني كان يصفق بيد واحدة طوال السنوات الماضية بعد أن تخلى مثقفو اليد الأخرى وكتابها وقادة الرأي فيها ورجال الدين المستنيرون عن دورهم وتقاعسوا وتواروا وبعضهم تستر على وجود قتلة مشحونين شحناً نفسياً بينهم.
من استغفل الداعشي وأقنعه بأن القتل هو تقرب إلى الله لا يختلف عن من استغفل الشيعي الذي أقنعه بأن القتل يقربه من الحسين، أياً كانت جنسية أو مشروع من جندهم فالأمر سيان.