لقد أصبح التوجه نحو حماية البيئة محط اهتمام الإنسان أياً كان عمله وموقعه وثقافته. فالمحاسب له دور كبير في حماية البيئة من خلال تقليل أو منع الآثار السلبية للوحدات الاقتصادية على البيئة، وذلك عن طريق إيجاد الأداة المناسبة لقياس التكاليف التي تتحملها المنشأة والمنافع التي تقدمها إلى البيئة المحيطة.
ومع تزايد عدد الشركات وتوسع رأس المال العامل فيها، وزيادة تأثيراتها على البيئة من حولها، ظهرت الحاجة إلى الأخذ بمفهوم المحاسبة البيئية «الاجتماعية» للشركات. فالمحاسبة الاجتماعية تركز على مدى وفاء المشروع لمسؤولياته الاجتماعية تجاه العاملين، والمستثمرين والعملاء، والأجهزة الحكومية، وجماعات الضغط الاجتماعي «كجمعيات حماية البيئة» وغيرها. ولم يعد المستثمرون يوجهون اهتماماتهم الاستثمارية للمشروعات التي تحقق أكبر عائد ممكن فحسب، بل أصبحوا يأخذون بعين الاعتبار مدى التزام المشاريع والشركات بالأمور البيئية والاجتماعية. وبالتالي أصبحت هنالك حاجة إلى معلومات صحيحة ودقيقة عن الأداء الاجتماعي والبيئي ومدى التزام المؤسسات بالأمن الصناعي ورفاهية العاملين، والعملاء، وقوانين حماية البيئة. ولذلك ظهرت العديد من القرارات الملزمة للشركات بالإفصاح عن السياسات الاجتماعية والبيئية كجزء من التقارير السنوية أو في تقارير منفصلة خاصة في الدول المتقدمة.
وبما أن المحاسب يقوم بتقديم المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات وتنفيذ المشاريع الاقتصادية فإن المفهوم النفعي من المعلومات المحاسبية قد اتسع ليشمل المجتمع بأكمله، وأصبحت كفاءة النظام المحاسبي تتوقف على احتوائه لنظام فرعي يتيح الحصول على معلومات عن الأداء الاجتماعي للمنشأة وأثرها على المجتمع. ونتيجة للوعي الاجتماعي أصبح على الشركات تحمل مسؤولياتها الاجتماعية نحو البيئة والإنسان والمجتمع، وازداد الاهتمام بقياس وتحليل وإدارة التكاليف البيئية، حيث اعتبرت بعض الشركات أن تكاليف تجنب التلوث هي في حد ذاتها استثمارات صحيحة، والبعض الآخر اعتبر الاهتمام بتكاليف البيئة قد يكون صحيحاً استراتيجياً في محيط النمو الثقافي المركز على حماية البيئة.
إن هناك العديد من الأسباب التي تدعو المؤسسات للاهتمام بالتقارير البيئية والاجتماعية مثل سمعة ورقي المؤسسة، فالشركات وخاصة شركات الصناعات الاستخراجية «البترول ومشتقاته، والمعادن»، يتطلب منها تقديم تقارير بيئية واجتماعية لحماية نفسها على الأقل من انتقادات جماعات المحافظة على البيئة. فمثلاً أوجد رئيس شركة «Desico Iain Vallances» في صيف عام 1999 أول تقرير اجتماعي ضمن تقارير الشركة، أشار إلى أن هدف الشركات هو تعظيم قيمة أسهمها، وأن إيجاد علاقات جيدة مع الموردين والموظفين يدل على الإدارة الجيدة، ويؤدي إلى سمعة جيدة للمؤسسة. فأغلب الدراسات والأبحاث تأخذ جانباً مهماً في التركيز على الآثار البيئية للمؤسسات ومدى مساهمتها سواء كان ذلك بسبب تأثيرها الضار على البيئة أو كجزء من مسؤولياتها الاجتماعية تجاه البيئة.
وقد طالبت المجتمعات بكافة أشكالها الشركات سواء كانت محلية أو دولية بضرورة تحمل دورها في حماية البيئة والمحافظة عليها كجزء من استمرارية الشركة. لذلك تعتبر محاسبة البيئة أداة إدارية تتضمن تقييماً للإدارة البيئية بالوحدة الاقتصادية بهدف حماية البيئة. لذلك يأتي دور المحاسبين في التركيز على محاسبة البيئة واقتصادياتها من خلال معرفة مدى مساهمة الشركات الصناعية في حماية البيئة، ومدى الإفصاح عن التكاليف والمنافع المادية في التقارير المالية. فالإفصاح عن الأداء البيئي للمنشأة يعني أن تقوم المنشأة بإعلام الأطراف المختلفة ذات العـلاقة بنتائج أدائها البيئي. وأن الاهتمام بالإفصاح عن الأداء البيئي سواء على مستوى المنشآت أو على مستوى الدولة يجعل جميع الأطراف في المجتمع تدرك أهمية دورها في المشاركة في الأنشطة البيئية، وأن من شأن عدم الإفصاح عن الأداء البيئي أن يقلل من حفز المنشآت على الالتزام الجاد بمسؤولياتها البيئية، ويحبط المنشآت ذات الأثر الإيجابي على المجتمع والبيئة والتي تقوم بالإفصاح عن الأداء البيئي لأعمالها، أي أن التقارير البيئية هي أداة لتوصيل المعلومات عن الأداء البيئي للأطراف المستفيدة.

* رئيس قسم المحاسبة والتمويل - كلية العلوم الإدارية - جامعة العلوم التطبيقية