في أجواء عاشوراء، سواء في البحرين أو حتى في أقاصي الأرض، ستظل المفاهيم الإسلامية النقية ثابتة لا تتزحزح ولا تتغير، سوى في بعض الاجتهادات الفقهية التي ينطلق منها فقهاء المسلمين، دون أن تتغير في سياقها العام، ولهذا كان من المهم جداً أن نضع عاشوراء الحسين في سياقها الإسلامي، بعيداً عن المهاترات والمزايدات.
لعل أفضل من عالج القضايا العاشورائية، سواء تلك المتصلة بقضايا الأمة أو بقضايا الإحياء والممارسات، وبصورة جريئة وواضحة جداً، هو الراحل السيد محمد حسين فضل الله، حيث استطاع أن يعيد الكثير من الحقائق المختطفة من طرف الكثير من الجهلة، عبر بعض الممارسات والأفكار الشاذة عن خط الحسين بن علي عليه السلام، مؤكداً على نقاء خط الإمام الشهيد في مسيرته نحو العدالة والحرية.
في أكثر من موقع من مواقع عاشوراء، يؤكد الراحل فضل الله على أهمية الوحدة الإسلامية ونبذ كل أشكال الفرقة بين كافة المذاهب الإسلامية قائلاً: «إنَّ الانطلاق في خط الوحدة الإسلامية لا يعني أن يتنازل كلّ فريق عن قناعاته، بل أن يلتقي المسلمون جميعاً على ما اتفقوا عليه، وأن يتعاونوا في القضايا المشتركة، ويتحاوروا في القضايا التي يختلفون فيها بطريقةٍ علميةٍ موضوعية، وخصوصاً عندما يعيشون في مناطق مشتركة تمثل نوعاً من خطوط التماس المذهبية بشكلٍ وبآخر، حيث قد ينطلق البعض ليجعلوا من بعض المناسبات كعاشوراء، مسائل لإثارة النعرات المذهبية، ولذلك حرمنا من موقعنا الفقهي على كل إنسان أن يرفع أي شعار يثير الحساسيات المذهبية، أو أن يتكلم بأية كلمة تصب في ذلك الاتجاه، مع المحافظة على أسلوب الحوار والجدال بالتي هي أحسن، لأننا نريد أن ننطلق جميعاً من أجل قوة الإسلام، وخصوصاً في هذه المراحل التي تمر بها أمتنا، والتي هي من أخطر المراحل على الإسلام والمسلمين في العالم، أياً كانت مذاهبهم واتجاهاتهم. لا نريد من طرح هذا العنوان الإيهام بأنَّ عاشوراء تفتقد الصفة الإسلامية، بل نريد التأكيد أنّ القضية الحسينية هي قضية إسلامية عامة، وليست قضيةً مذهبيةً خاصة. لقد انطلقت كربلاء على أساس العناوين الإسلامية، وتمثل ذلك في الطروحات التي أطلقها الحسين «ع» كعنوانٍ عريضٍ لحركته، وفي المواقف التي تجسدت خلال المسيرة الحسينية حتى الشهادة».
من هذا المنطلق ومن هذا الوعي، يستمد المسلمون إسلامهم الصافي من خلال الكثير من الوقائع التاريخية وعلى رأسهم ذكرى عاشوراء، لتتحول الذكرى إلى منارات هدى نحو الوحدة الإسلامية بين كافة المسلمين، وحتى تتحول عاشوراء إلى مدرسة للمعاني الجليلة، يجب أن تكون ممارساتنا تجاهها ممارسات مسؤولة، بعيداً عن الإسفاف أو الاستخفاف، لأن ممارساتنا هي مرآة وعينا وإيماننا بالقضية، وما أقبح أن نكسر مرآة عاشوراء الحسين. «وللحديث بقية».