حين أقرأ لكتاب خليجيين وخاصة السعوديين من أهل الرياض أو من إماراتيين يهاجمون أتباع تيار الولي الفقيه في دول الخليج العربي في الصحف الخليجية الآن، وقد كانوا إلى العام الماضي غير مصدقين بأن لهذا التيار ارتباط مع إيران، يتجاوز الارتباط الروحي الديني، وترددوا كثيراً في تصديق أن لإيران يداً في أحداث البحرين، حين أقرأ لهم اليوم أجد الفارق الكبير والتحول في القناعات تحولاً جذرياً، حتى أصبحوا أكثر جرأة منا في مواجهة هذا التيار، ونحن الذين اكتوينا بناره مبكراً، أعرف أن الخسارة التي وقعت على أتباع هذا التيار من الطائفة الشيعية في دول الخليج العربي خسارة كبيرة ستمتد لأجيال قادمة.
و قبل الاسترسال، نؤكد أن أبناء الطائفة الشيعية في دول الخليج العربي مواطنون أصليون كاملو الأهلية، لا مزايدة ولا منة على مواطنتهم، تعايشوا مع الشعوب الخليجية السنية دون مشاكل طوال العقود الماضية، وأحسنت الأسر الحاكمة في جميع الدول الخليجية التعاطي مع التباين المذهبي بينها وبين أبناء الطائفة، حتى من قبل تحولاتها السياسية وتطور نموها الديمقراطي كدول وصدور دساتيرها المنظمة للعلاقات بينها وبين أفراد المجتمع.
حالة التعايش السلمي هذه كانت أحد أسباب عدم اقتناع العديد من أهل الخليج خاصة صفوة المثقفين منهم والذين لم يجاوروا التحولات الفكرية التي طرأت على شريحة كبيرة من أبناء هذه الطائفة بعد الثورة الإيرانية وصعود الملالي للحكم في إيران، بأن الحراك الإرهابي البحريني يتم على يد أبناء من البحرين ومن شعبها الأصيل لكنهم أبناء باعوا أنفسهم للشيطان.
ساهم عامل الجهل بالمتغيرات والبعد الجغرافي وعوامل أخرى منها ضعف أدائنا الإعلامي حينها في عدم وضوح الصورة لدى بقية الشعوب الخليجية، إلى أن جاءت أحداث العوامية، ومن بعدها «عاصفة الحزم» وأصبحت المواجهة المباشرة بين أهل الخليج وبين الحوثيين النسخة اليمنية من جماعة الولي الفقيه مواجهة قتالية راحت ضحيتها دماء خليجية سعودية وإماراتية للمرة الأولى في تاريخ هذه الشعوب الخليجية، أما الضحايا البحرينيون في اليمن لهذه المواجهات فما هم سوى استكمال لسلسة مواجهات بدأت منذ التسعينات راح ضحيتها العشرات من القتلى من منتمي الأجهزة الأمنية والآلاف من المصابين في الأحداث الأخيرة التي جرت في البحرين.
هذا التحول الخطير وانقلاب حالة التعايش السلمية إلى حالة مواجهات ودماء سالت، يحتاج إلى ترشيد وتوجيه واحتواء يساعد أهل الخليج في التمييز بين أبناء الطائفة الشيعية الكريمة، وبين جماعة الولي الفقيه منهم، فشعب البحرين قطع مسافة طويلة في هذه المواجهة منذ التسعينات إلى الآن، استطاع أن يميز فيها بين هذه الجماعة وبقية الشيعة العروبيين الذي يقدمون أرواحهم فداء لعروبة أوطانهم، والذين هم أيضاً ضحايا لهذه الجماعة، وموضع عداء وازدراء من هذه الجماعة، الإيرانية الهوى، ويستطيعون أن يقدموا المساعدة لأبناء الخليج في زيادة الوعي للتفرقة والتمييز بين هذه الجماعة وبين بقية أفراد الطائفة الشيعية الكريمة.
الأمر يحتاج إلى تكاتف للجهود وحراك من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة أنفسهم، في التوعية والتمييز بينهم وبين هذه المجموعة، فالمشكلة في كيفية إعادة حالة التعايش السلمي، وإعادة زرع الثقة بين أبناء الطائفة الشيعية وبين الشعوب الخليجية، بعدما سالت الدماء بينهما على أرض اليمن، لا يستطيع أن يقوم بها سوى الشيعة أنفسهم لمساعدة أنفسهم مما يستدعي حراكاً داخلياً شيعياً، يبلور كيفية معالجة هذه الأزمة قبل أن تستفحل.