إن من أهم الأمور التي يجب أن نربي عليها أجيالنا الحالية وأجيالنا القادمة هو «حب الوطن»، وهذا الوعي «الأهم» في حياة الأفراد والمجتمعات عادة ما يتولد إما بالفطرة أو بالتدريب عبر مناهج وتعاليم مقدسة تعني بحب الوطن أو ما نسميه اليوم بفكرة «المواطنة»، وفي كل الحالات يظل الوطن هو محور المحاور في حياة البشرية.
ربما لا نحتاج كثيراً لنفلسف أو نفسر الحب الفطري للأوطان، فهذا الأمر من الأمور التي جبل الإنسان السوي على حبه حتى من دون أن يتعلم أو يتدرب، لكننا بصدد الحديث عن النوع الثاني من حب الأوطان، ذلك الذي يعتبر نتاج مسيرة حافلة من تقديم العطاء والتضحيات للوطن.
حين نتحدث عن تدريب صغارنا على حب الوطن، فإننا بذلك ملزمون أن نقدم أنفسنا لهم في أبهى صورة فيما يتعلق بما يعرف اليوم «بالقدوة الحسنة»، فلا يكفي أن نعلمهم بعض مفاهيمها الارتجالية عبر مناهج المواطنة المدرسية وكفى، بل يجب أن نقدم لهم نماذج حقيقية من كل العينات التي يمكن أن تكون مؤثرة وفاعلة في وعي هذا الجيل، بعيداً عن التركيز على مناهج باردة لا يمكن لها أن توصل الرسالة في أبهى صورها، لأن الحقيقة المتقبلة في وعي صغارنا هو أن نكون نحن أول من يقدم التضحيات في سبيل الوطن وعدم المساس بمقدراته وأمنه.
لا يمكن أن يفهم هذا الجيل ما هو معنى»المواطنة» وحب الوطن ونحن نقدم له نماذج سيئة في كل محفل وفي كل مجال، فاختراق قواعد النظام الحياتي الذي ينظم سلوك وحياة الناس، سواء كان نظاماً للمرور أو النظافة أو حتى الصبر على الوقوف في الطوابير اليومية، وعدم احترام الوقت، كلها سلوكيات خاطئة تقدم حب الوطن في أتعس صوره، وعليه يجب أن نكون قدوات حقيقية في إيصال هذه الرسالة لهذا الجيل عبر احترامنا لقواعد النظام العام في الوطن الذي نعيش فيه ونربي أبناءنا على حبه.
الأكثر أهمية في هذا الشأن، هو أن نكون قدوات في المجالات الخاصة بثروات الوطن والحفاظ عليها، حيث لا يمكن أن يكون الفاسد قدوة أو أن يكون السارق قدوة أو يكون المتسيب في ابتزاز مقدرات الوطن قدوة. ليس هذا وحسب، بل يجب أن نقدم كل المفسدين للعدالة للحفاظ على مقدرات الوطن بشكل صحيح، وحتى يمكن لنا أن نوصل الرسالة الخاصة بهذا الشأن للجيل الذي نتوكأ عليه للمستقبل بألا شيء أهم من الوطن وما فيه.
الفاسد لا يمكن أن يعلم صغاره حب الوطن، وكذلك السارق والمخالف لقواعد السير والنظام، كما لا يمكن أن نعطي مفاهيم المواطنة الحقيقية للصغار ونحن غرقى في أجواء متخمة بالشللية والمحسوبية وبقية الصور التي تعطيهم أبشع القيم في كره الوطن وبيعه في أقرب مزاد.
هذا الأمر يدفعنا للحديث عن أهمية فتح الجرح الفاسد من جديد، وذلك بتقديم كل المفسدين وبكل درجات مساوئهم للعدالة، حتى نستطيع أن نربي جيلاً يقدس مقدرات الوطن وترابه، وهذا أكبر درس للمواطنة، ربما يغني عن كل كتب المواطنة التي تدرس لهذا الجيل كما تدرس الرياضيات وبقية العلوم الصماء، فحب الوطن أكبر من أرقام وحفظ معلومات، إنما هو المحافظة على مكتسباته والذود عن حياضه ومحاسبة كل إنسان يسيء إلى حاضره ومستقبله، فعند ذلك يمكن أن نقول إننا قد نجحنا في تقديم أكبر دروس المواطنة لهذا الجيل، وما دون ذلك غالبيته هراء.