ليس أسوأ من جمعيات سياسية طائفية إلا جمعيات سياسية غير مؤهلة سياسياً، الأولى تقودك إلى فتنة، والثانية تقودك إلى فوضى وكلتاهما مدمرة وخطرة على أمن الدولة واستقرارها.
حال البحرين بعد أربعة فصول تشريعية و بعد أزمة 2011 فارغ من جمعيات سياسية مؤهلة كي تكون شريكاً في الحكم وتمثل الإرادة الشعبية الوطنية الجامعة القوية.
والاعتقاد بأن هذا «الفراغ السياسي» الحالي للنشاط الجماعي السياسي سيظل فارغاً إلى الأبد هو اعتقاد خاطئ، الارتهان على أن خيار الناس سيظل «للمستقلين» ارتهان لمجهول وقفز في الهواء، عاجلاً أم آجلاً سيجتمع الناس مرة أخرى وسيلتفون على من يحسن جمعهم ويحسن تنظيمهم.
مادام هناك دستور في البحرين ينص على سلطة تشريعية منتخبة وبلديات منتخبة سيظل البحث جارياً عند الناس عمن يمثلهم في هذه المؤسسات التي ستشارك «الحكم» في إدارة الدولة، هذا واقع لا يمكن للدولة أن تتجاوزه ما لم تعطل أحكام الدستور وتلغي العمل ببند السلطة التشريعية.
إذاً شئنا أم أبينا خرج الناس للاقتراع أم تقاعسوا في كل الأحوال سيكون هناك شركاء يحتلون المقاعد المنتخبة وسيشاركون الحكم في إدارة الدولة وفي هذه الحالة سيمارس الأفراد والجماعات حقهم في الانشغال والاشتغال بالسياسة بالبحث عمن يمثل مصالحهم وليس بالإمكان دوماً «التحكم» أو «التوجيه» أو «التدخل» في من سيحتل المقاعد المشاركة.
حتى اللحظة ورغم العزوف عند المجتمع البحريني عن الجماعات السياسية الطائفية السنية منها والشيعية فإنها ما زالت قادرة على الفوز بمقاعد انتخابية مما يشكل تهديداً قائماً على أمن واستقرار المجتمع ودفعه إلى حافة التوتر الطائفي من جديد، ومن جهة أخرى لا يقل عنه تهديداً «تدخل» الدولة لمنع بروز أصوات تحاول أن تنشغل بالسياسة بالإمكان أن يلتف عليها الناس وتنتظم معها في نشاط سياسي جامع يملأ الفراغ الحالي.
عودة الجمعيات الطائفية إلى الصدارة سيظل هاجساً وارداً فهم الوحيدون القادرون على إعادة ترتيب الصفوف وإعادة التموضع السياسي من جديد نظراً لخبرتهم التنظيمية وبراغماتيتهم في تغيير القبعات، وحينها ستعض الدولة أصابعها ندماً على الرهان على استمرارية الوضع الحالي إلى الأبد، فالفراغ السياسي حالة مؤقتة، هذه قاعدة مهمة جداً لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار.
حين فتح المجال للعمل السياسي الجماعي عن طريق الجمعيات السياسية تشكلت على الفور جمعيات ولدت من رحم الثورات وحركات التحرير يقودها إما شيوخ دين أو يقودها فلول لليسار، وبدلاً من الانشغال بإدارة الدولة ظلوا على انشغالهم السابق بمحاولة إسقاط الدولة واليوم أفل نجم الجمعيات والساحة فارغة لكنها الوحيدة التي تملك أجندة وتملك فلولاً للقاعدة والوحيدة القادرة على إعادة لم الصفوف، وهذا الفراغ سيملأ عاجلاً أم آجلاً فإن ظل الرهان على استمراريته فحسب كإستراتيجية سياسية (بقمع) أي صوت يحاول أن يجد له مكاناً في الساحة فإن هذا رهان خاسر لا يعي التاريخ ولا يعي الواقع ولا يعي حراك الشعوب.
الاستئناس بهذا الفراغ الذي ترك الساحة خالية تنفرد بها السلطة لا يجب أن ينسينا أنها حالة مؤقتة، وما لم تضع الدولة إستراتيجية واقعية تضع في اعتبارها تهيئة وإعداد البيئة والأدوات التي تؤهل شركاء على مستوى المسؤولية يكونون قادرين على الاستقطاب الشعبي قابلين للعب ضمن الأطر الدستورية في ذات الوقت ممكن ومشروع ووارد، فإن اختطاف هذا الفراغ على حين غرة أمر وارد جداً.
من مصلحة الدولة، من مصلحة الحكم، من مصلحة المجتمع البحريني، ومن مصلحة أمن واستقرار البحرين، ومن مصلحة أمن واستقرار المنطقة أن يكتسب المجتمع البحريني الأهلية السياسية ليعرف كيف يختار ومن يختار وأن تترك الحرية للأصوات الراغبة في نزول المعترك وبوجود أصوات وطنية عقلانية تؤمن فعلاً بالدستور وتذود عنه وتملك القدرة على النقد وإعطاء البديل وتصلح أن يجتمع الناس عليها ويختارونها ممثلاً عنهم في هذه الحالة فقط سيضمن الحكم وجود شركاء يتمتعون بالأهلية ويؤمنون بالأطر الدستورية، عدا ذلك فلنعد أنفسنا لجولة جديدة من الصراع العبثي!