المسيرة التي خرجت في الديه والسنابس الأحد الماضي وحاول المشاركون فيها الزحف نحو تقاطع الفاروق الذي شهد بداية الأحداث في فبراير 2011، «لم تفشل»، كما قال البعض، و»نجحت في تحقيق الهدف المطلوب بل نجحت بامتياز»، ذلك أن «الهدف لم يكن الوصول إلى ذلك المكان أبداً»، خصوصاً وأن منظمي المسيرة والمحرضين عليها يعلمون جيداً أنهم لن يتمكنوا من الوصول إليه فقد حاولوا من قبل مرات وفشلوا. لم يكن ذلك هو الهدف من المسيرة، فالهدف كان الدخول في مواجهات مع رجال الأمن بغية التقاط بعض الصور للقول إن «رجال الأمن قمعوا مسيرة سلمية ترفع أعلام الحسين»، وليعينوا الفضائيات السوسة وعلى رأسها فضائية «العالم» الإيرانية على القيام بالدور المطلوب منها، وقد نجحوا بالفعل في تحقيق هذا الهدف. لكنهم لم ينتبهوا إلى أنهم استغلوا مناسبة دينية لا علاقة لها بمطالبهم فخربوا على من تعود إحياء المناسبة في ذلك اليوم، ولم ينتبهوا إلى أنهم اختاروا عنواناً لتلك المسيرة يخص طائفة معينة فبدت المسيرة طائفية، وهذا يقلل من شأن «المعارضة» التي تقول إنها تمثل الجميع وتعبر عن الجميع، ولم ينتبهوا إلى أن العالم صار يعرف هذه اللعبة جيداً ويعرف أن الهدف من تلك المسيرة الزاحفة هو الظفر بما يلزم من صور وأفلام لبيعها على تلك الفضائيات السوسة والتي كانت تتابع الحدث لحظة بلحظة.
ما جرى في ذلك اليوم يعني أن هذه الفئة لم تتعلم من أخطائها، وأنها لاتزال دون القدرة على وزن الأمور، وأنها أسيرة مرحلة المراهقة التي تمر بها، فلو تعلمت من أخطائها لما كررت هذا النشاط غير المفضي إلى مفيد، ولو كانت تعرف كيف تزن الأمور، وتقدر الظروف لما اختارت عبارة «يوم الغضب الكربلائي» لمسيرتها، لأنه من الأساس لا علاقة لما تقوم به وتدعو إليه بكربلاء، ولأنها لا تمثل الشيعة، ولأن المفروض أنها تعبر عن جميع المواطنين وليس عن فئة بعينها.
ما جرى في ذلك اليوم يدفع بالضرورة إلى السؤال عن موقف الجمعيات السياسية من هذا الذي قام به ما يسمى بـ»ائتلاف فبراير»، لأن سكوتها يعني مشاركتها في هذا الفعل الخاطئ أو على الأقل موافقتها عليه ورضاها عنه، ومشاركتها أو موافقتها ورضاها عن هذا النشاط يعني أنها لم تعد قادرة على قراءة الساحة بشكل صحيح، بل يعني أنها لاتزال تابعة لـ»الائتلاف» الذي يفترض أن يكون هو التابع لها ويطيعها وليس العكس.
عدم تعلم «المعارضة» على اختلافها من أخطائها وتجاربها السابقة يعني أن الحكومة لن تجد في المنظور القريب من يرقى إلى مستوى الحوار معها، للخروج من هذه المشكلة، ذلك أنه من غير المنطقي تحاور طرفين أحدهما دون القدرة على الحوار، لأن الحوار سيفشل فور أن يبدأ. هذا يعني أن المشكلة ستستمر طالما أن «المعارضة» غير مؤهلة للدخول في هذه المساحة.
الحل العملي هو أن تستعيد الجمعيات السياسية قيادة الشارع وتمنع «ائتلاف فبراير» وغيره من ممارسة كل هذا الذي يمارس حالياً، والذي لا يمكن أن يوصل إلى أي نتيجة إيجابية. ولأن الحكومة لا يمكنها الدخول في حوار مع جهات غير معترف بها لذا فإن على الجمعيات السياسية أن تنتبه لهذا الأمر، وتركن «الائتلاف» جانباً، وتباشر هي الدور المطلوب منها. عدا هذا سيواصل «الائتلاف» نشاطه عديم الفائدة، وستتعقد الأمور أكثر وأكثر، وكما هو واضح لا يهم قادة «الائتلاف» إن «تسببوا» على الناس، حيث المهم عندهم هو تحقيق الذي يملأ رأسهم، وتوفير بعض اللقطات للفضائيات السوسة، وتوجيه الاتهامات لرجال الأمن ووزارة الداخلية، والقول إنهم «قمعوا المسيرة وتعاملوا مع المشاركين فيها بعنف».