لم تكن ردود وزراء الحكومة «سيئة» على المجلس النيابي بمجملها، كان فيها منطق بسيط معقول يخاطب العقل إنما يحتاج لمزيد من الشرح وبعض من ضبط النفس في اختيار المصطلحات في الردود وبالإمكان البناء عليه وتطويره كخطاب للحكومة تتحرك به «ميدانياً» لتشرح رؤيتها للمواطنين حول إعادة توزيع الدعم.
وبقليل من المرونة الحكومية مع متطلبات النواب تستطيع الحكومة أن تلتقي في نصف المسافة معهم، ليس هناك أحد ضد إعادة توزيع الدعم وكان بالإمكان تجنب ردود الفعل لو أحسنا مخاطبة الناس ولو حفظنا كرامتهم في المبلغ المرصود ولن يشكل فارقاً كبيراً، بل سيجعلهم يتقبلون بقية السلة المراد رفع الدعم عنها.
إنما واقعياً ليس هناك جهد ولو يسير من قبل الحكومة لكسب مشاعر الناس وتفهمهم وذلك لن يحصل بهذا المستوى الضعيف من التواصل والاقتناع بأن من يشتكي هم جهلة ومدسوسون يجب قمعهم وبأساليب هي أقرب للعب الأطفال.
على الحكومة أن تتحرك لمخاطبة الناس كما تخاطب النواب لأن الاعتماد على الخطاب الموجه للنواب فقط سواء في اجتماعات اللجان أو في الجلسة العمومية وعلى ما تنقله الصحافة والكيفية التي تنقل بها ردودهم لا يفي الناس حاجتهم، فبضع فقرات مكتوبة لما قاله السادة الوزراء في ردودهم على السادة النواب عرضت ضمن ما نشر لجلسة أمس في صفحة المجلس النيابي وفي الداخل وفي وسط الصفحة بطريقة لن يقرأها إلا من «يتعنى» ويقرأ كل ما قيل في الجلسة ولا يكتفي بالعناوين لن يوصل رسالة الحكومة لهم!! وحتى لو اعتمدت الحكومة على من يتابع تلفزيون البحرين ليشاهد عرض الجلسة الممنتج، فإنها ستعتمد على شريحة صغيرة جداً.
زبدة القول بأن الحكومة تملك منطقاً في ردودها حول موضوع إعادة الدعم، تملك المعلومة وتملك الرقم وتملك التقارير المحلية والدولية، وتملك أيضاً إمكانية رفع مبلغ الدعم -على اللحوم على الأقل- وهي خطوات واردة لكنها لا تعرف كيف تتواصل مع الناس لنقلها وتكتفي بمخاطبة النواب وتعتمد عليهم وعلى الصحافة بنقل وجهة نظرها ولا تبذل جهداً من صوبها إلا بهذا القدر اليسير الذي يكتفي بالوقوف للحظات في المجلس النيابي والرد على مداخلات النواب ثم العودة لمكاتبهم، وجميعها وسائل مبتسرة مقطوعة من سياقها لا يمكن أن تشفي حاجة الناس للاستماع لرأي الحكومة في موضوع إعادة توزيع الدعم.
مازلت أقول إن بإمكان الحكومة اختصار الطريق والتوجه مباشرة للناس ومخاطبتهم لو كان لدى الحكومة «حملة» لا تكتفي بالوسائل الإعلامية فقط، بل «حملة» تمتد لتشمل اللقاءات المباشرة مع أطراف العلاقة ومع المجالس الشعبية من خلال الوزراء.
المهم ألا تبقى الحكومة رافعة «الجامة» عن المواطنين وهم بهذه الدرجة من الغليان والاستياء، فتلك مجازفة خطيرة ورهان على مسألة لا تترك للزمن يداويها وهي الأمن.