لا أحد يرغب أن يتجه صوب العنف أو جهة الطعن بالسكاكين، فهذه أعمال لا تأتي بثمارها سياسياً ولا يمكن الترحيب بها إنسانياً، لكن عندما نعرف حجم الضغوطات والتنكيل الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية تجاه إخواننا في فلسطين المحتلة، حينها يمكن لنا أن نلتمس العذر لمن يحاول أن يدافع عن نفسه ويرفع غطاء المهانة عن شعبه، ولو بالطريقة التي لا يؤمن بها من ناحية المبدأ.
الشعب الفلسطيني الكريم في الداخل، ليس من ديدنه أن يقوم بهذه الأفعال العنيفة، لكن حينما يزداد عليه الضغط، وتنتهي كل الخيارات السياسية في مقابل تصعيد الصهاينة لقمعهم الممنهج تجاه الفلسطينيين، وحين يسكت العرب أو يلتهون بمشاكلهم عن قضيتهم الأم، سيكون خيار السكين هو الخيار المتاح لوقف العدوان الإسرائيلي.
ربما نجحت هذه الانتفاضة «السكاكينية» إلى حد كبير في وضع حدٍّ لتجاوزات الصهاينة، ولربما تشير الكثير من تصريحاتهم بأنهم بدؤوا يغيرون من مواقفهم تجاه الأقصى والشعب الفلسطيني، لأنهم أدركوا لو لم يقدموا بعض التنازلات، لاستمرت انتفاضة الفلسطينيين حتى تتحقق مطالبهم، وهذا ما لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية المتغطرسة أن توقفه، لأنها تدرك جيداً أن الانتفاضة ستتمدد وستخرج عن سيطرتها بكل تأكيد، وإن كانت طعنات الفلسطينيين لم تتوقف حتى كتابة هذه الأسطر. لكن في المجمل، هناك رضوخات صهيونية واضحة لمطالب الشباب الفلسطيني الثائر.
أول ثمار الانتفاضة الأخيرة هو ما أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في عمان أن «إسرائيل» وافقت على اتخاذ تدابير من أجل تهدئة الأوضاع في محيط المسجد الأقصى الذي اندلعت منه شرارة المواجهات المستمرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ مطلع الشهر الحالي. وأضاف الوزير الأمريكي أن من بين هذه التدابير «موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على اقتراح للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لضمان المراقبة بكاميرات الفيديو وعلى مدار 24 ساعة لجميع مرافق الحرم القدسي»، وأكد كيري أن «إسرائيل لا تنوي تقسيم الحرم القدسي» و»ترحب بزيادة التعاون بين السلطات الإسرائيلية والأردنية» التي ستلتقي «قريباً» لتعزيز الإجراءات الأمنية في الحرم القدسي.
أما بالنسبة للطرف الصهيوني فقد تعهد نتنياهو «بالإبقاء على الوضع القائم» في المسجد الأقصى ولاسيما لجهة منع غير المسلمين من الصلاة في الحرم القدسي. وقال نتنياهو في بيان إن «إسرائيل تجدد التأكيد على التزامها، قولاً وفعلاً، بالإبقاء على الوضع القائم في جبل الهيكل دون تغيير»، مستخدماً التسمية اليهودية للمكان المقدس لدى كل من اليهود والمسلمين.
هذا التغيير في الموقفين، الأمريكي والإسرائيلي لم يكن لولا الانتفاضة الأخيرة، حيث استطاعت تغيير مسار كل المفاوضات الحالية والقادمة، لأن الفلسطيني أدرك جيداً أن لا خيار أمامه سوى إشهار السكين في وجه المعتدي.
كنا نتمنى أن يكون للعرب موقف أكثر حزماً من الانتفاضة الأخيرة، لكننا تعودنا أن نرمي بالفلسطيني في وسط المعركة في كل مرة يدخلها بمفرده، لنأخذ دور المتفرج، أو الناقد، وهذا لا يليق بحكومات وشعوب يدعون أنهم يقفون مع القضية الفلسطينية، لكنهم وقت المعركة يغيرون من مواقفهم ربما ضدها أيضاً، وهذا أكثر ما يؤلم الإنسان الفلسطيني من باب:
وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـة
على المرء من وقع الحسام المهندِ