قبيل أشهر كتبت مقالاً في صحيفة «العرب»، عن القيمة التي لا يمكن لأحد نكرانها عن المواطن النجراني في السعودية. نجران التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من المملكة العربية السعودية، في الأطراف الشرقية لمنطقة الدرع العربي، والتي تمتد عبر المنطقة الواسعة من الأردن حتى أقصى جنوب الجزيرة، وهي قريبة من اليمن لذا تحملت هذه المنطقة إبان «عاصفة الحزم»، الكثير من الويلات من قبل جماعة الحوثي في اليمن. كانت تستهوي الحوثيين محاولة زعزعة الأمن فيها، فكانت تخاتل بين حين وآخر من أجل أن تمطر سماء نجران بالقاذفات والصواريخ، ورغم ذلك لم تتزعزع عزيمة مواطنيها، بل زادتهم تلك القذائف قوة إلى جانب القوة التي اتسموا بها. ويعرف عن المجتمع النجراني أنه مجتمع قبلي تنتمي معظم قبائله إلى المذهب الإسماعيلي، وقد مر تاريخها بعدة مراحل. فقد كانت جزءاً من اليمن أثناء مملكة سبأ وحمير ومعين، وأرضها هي أرض الأخدود التي ذكرت في القرآن الكريم، وحينما نريد أن نتحدث عن أهالي نجران، فعلينا أن نشير إلى أن ولاءهم للوطن لا يمكن أن يتغير. ولم تتناه إلى مسامعنا يوماً عنهم قصصا تشير إلى وجود تحالف ما ضد الدولة أو ما يشبه ذلك، فهم جزء مهم من تكوين المجتمع السعودي، ومذهبهم لم يكن عائقاً في إثبات وطنيتهم، أو انتقاصاً لحبهم للأرض التي ولدوا فيها.
وما يميز أهالي نجران أنهم عصاميون أشداء، في تكوين قبلي متحالف يساند بعضهم البعض، وهذا ما يجعلهم محط أنظار وإعجاب مختلف أطياف الشعب السعودي، قلوبهم مليئة بالكبرياء والحب وصدق النوايا، حتى أنجبت هذه الأرض الجنوبية عدداً من الشعراء الذين ينظمون أحسن الشعر وأعذبه.
ما إن سمعت بخبر التفجير الذي حدث الإثنين الماضي، بقيام إرهابي ينتمي إلى تنظيم الدولة «داعش» بهجوم انتحاري في مسجد المشهد بنجران، حتى قلت إن هذا الإرهابي ما هو إلا أحمق، لأنه اختار المكان الخطأ والمواطنين الخطأ، متناسياً بأن رجال نجران يحترمون الوطن، ويحملون على عاتقهم مسؤوليات كبيرة، وهم لا يريدون أن تكون هناك جروح وقصاصات بينهم وبين الحكومة، فنجران لن يصيبها ألم في صدرها بسبب هذا التفجير لمسجدهم، ولن يستطيع أي إرهابي مهما بلغت قوته هتك هذه الأرض، وأن يبث سموم الطائفية فيها.
الهجوم أسفر عن استشهاد شخصين فيما جرح 18 آخرون على الأقل، وتؤكد بعض المصادر أن الانتحاري فجر نفسه في فناء المسجد وليس بداخله، بعيد انتهاء المصلين من صلاة المغرب، في حين باشرت الجهات الأمنية إجراءات الضبط الجنائي للجريمة الإرهابية.
ما راق لي أن عدداً كبيراً من المغردين في «تويتر»، تضامنوا مع جراح أهالي نجران، ذلك التضامن الذي يشعرهم بأنهم جميعاً متساوون في هذا الوطن، كما كانوا متفقين أيضاً على أن هذا الهجوم العدواني، لن يجعلهم يخافون الذهاب يوماً إلى المسجد، ولن يكون الحزام الناسف عائقاً يرهبهم عن أداء شعائرهم الدينية، ولكن يحق لي أن أشعر بالبؤس والانفعال، فنجران التي تكافح من أجل العيش حتى الغد، لم تكن بحاجة إليك أيها الإرهابي المعتوه، فإن لم تطب لك الحياة أو الشعور بالانتماء نحو الوطن، فيمكنك الرحيل في أي وقت، فنحن لا نحتاج إلى فكرك ولسنا على وئام أو اتفاق مع ضلالاتك فهي تخصك وحدك، فليتك تركت أهالي نجران في حالهم وسكونهم أيها الشقي فكراً وأخلاقاً.

* نقلاً عن صحيفة «العرب» اللندنية