الصورة التالية تحتاج إلى وقفة وتفكر، ينادي البعض بالقانون ودولة المؤسسات، ثم عندما تطبق الدولة القانون يرفضه، لا لشيء إلا لأنه اعتبر نفسه متضرراً منه. إزالة الأعلام وبعض المظاهر العاشورائية التي حدثت في أيام عاشوراء كانت تطبيقاً للقانون، الداخلية وجدت أنها مخالفة للقانون فأزالتها، فماذا حدث؟ بدؤوا في تشغيل ماكينتهم الإعلامية وقالوا ببساطة إن «هناك من يحارب الإمام الحسين عليه السلام ويحارب فكره ونهجه وإن هذا ليس جديداً عليهم». لم يقولوا إنهم خالفوا القانون الذي بسببه أيضاً لم تتم إزالة الأعلام والمظاهر العاشورائية في مناطق أخرى كثيرة، ولم يتم استدعاء أحد لسؤاله أو التحقيق معه بشأن مخالفات ارتكبها، تماماً مثلما لم يقولوا عن المواجهات التي حدثت في قرية الديه الأحد الماضي، إنهم خالفوا القانون وتجاوزوا وحولوا مسيرة حسينية مرخصة إلى مظاهرة وزحف إلى حيث كان الدوار ذات يوم. ومثلما قالوا في الحالة الأولى إن «رجال الأمن اعتدوا على مظاهر عاشوراء»، قالوا أيضاً في الحالة الثانية إن «رجال الأمن هاجموا واعتدوا على المتظاهرين السلميين» واعتبروا صور المواجهات التي تقصدوا الحصول عليها «دليلاً على ذلك الاعتداء»!
كل عاقل يدقق في هذه الصورة لابد أن يصدر عنه ما يغضب هؤلاء الذين يعيشون حالة تناقض غريبة، وكل من ينتقدهم لابد أن يقولوا عنه كلاماً يغضبه، فهو عميل وخائن وانهزامي وضد الحق وضد منهج الحسين عليه السلام!
هذا توصيف مهم لحالة «المعارضة» التي سرقت الشارع من «المعارضة الحقيقية» المتمثلة في الجمعيات السياسية، والتي للأسف لم يعد لها حول ولا قوة، تحليله يساعد على تصور المستقبل ومعرفة الأسباب التي تؤكد أن مشكلتنا لن ترى حلاً قريباً. فإذا كان هذا مستوى تفكير «المعارضة» فلا تتوقع إلا الخراب والأذى وتعقد المشكلة.
الجزئية التي يتحاشى هؤلاء ذكرها هي باختصار أنهم يريدون أن يحكموا البلد في عاشوراء. هم يعتبرون أن الأسبوعين الأولين من شهر محرم ملك لهم وأن على الحكومة أن تسلمهم مقاليد هذين الأسبوعين ليفعلوا فيهما كل ما يريدون فعله، لأنهم الأحق بعاشوراء، ولأن الإمام الحسين خاص بهم دون غيرهم! ليس في الأسبوعين الأولين فقط ولكن في شهري محرم وصفر. هم يعتبرون هذين الشهرين خاصين بهم، وبالتالي فإنهم الأحق بهما، يفعلون فيهما ما يشاؤون وينبغي ألا يحاسبهم أحد على أي فعل وأي تصرف.
أما رد الحكومة فكان عملياً، قالت لهم إن من حقهم أن يمارسوا كل حق يكفله الدستور وينظمه القانون، أي أنها لن تسمح بتجاوز القانون أياً كانت الأسباب وستطبقه على كل مخالف له، وهذا حقها. هكذا يقول كل عاقل، وهكذا تفعل كل دول العالم بما فيها تلك الدولة التي يعتبرونها مثالاً ونموذجاً يحتذى، وإلا ضاعت هيبتها.
إزالة تلك المظاهر تمت بحكم القانون، ومواجهة الذين استغلوا المسيرة الحسينية في الديه، وحولوها إلى مظاهرة وحاولوا الزحف إلى مكان يعلمون أنه مخالف للقانون تمت أيضاً بحكم القانون، والأكيد أن الحكومة ستقف بحزم في وجه كل مخالف للقانون بالقانون أيضاً. ما تم لم يكن اعتداء على مظاهر عاشوراء ولا اعتداء على مسيرة مرخصة، ما تم كان تطبيقاً للقانون ومحاولة لتصحيح خطأ كبير ارتكبه البعض. لا يقول بعكس هذا سوى أولئك الذين يستغلون كل شيء بما فيه الدين والمذهب لخدمة أغراضهم السياسية.
لكن بما أن هذا الأمر سيتكرر لذا صار لزاماً وضع حد له، ولأن الجمعيات السياسية غير قادرة على فعل شيء لذا فإن المطلوب من الشخصيات الشيعية المعتدلة التدخل بقوة.