يقول أهالي الزمن الجميل «الألحان والنغمات غذاء الروح»، ولكن بالنسبة للكثيرين في هذا الزمن العجيب، باتت مصدراً للعيش والرغد الوفير. وأصبحت سبباً في جمع ثروات طائلة، وبناء مقام عظيم، بين أفراد المجتمع المخملي الرفيع. ليصبح السير على السجادة الحمراء في كان، ليس فقط من الحكايات، وقصص «كان يا مكان»، بل أمراً واقعاً مهما كان. لنستخلص من هذا، ماذا يمكن أن يقدمه الفن من امتيازات خيالية على المستوى الفردي. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: «كيف يمكن أن يكون أداة للتطوير وتسيير عجلة التقدم على المجتمع ككل؟!
سؤالي هذا راودني، على أساس الوفود الزاحفة والتي هي في زيادة مهولة كل عام على برامج اكتشاف المواهب الفنية، حيث استوقفتني عبارة هزت كياني من أحد المرشحين للمسابقة، ودموعه تغسل وجهه، عندما نجح في الاختبار الأول، اندفاعه وأحاسيسه تشعرك بأنه فاز بجائزة علمية أو سمع بوقف الحرب في إحدى الدول العربية وعودة أهلها إلى ديارهم! كان جوابه بعيداً كل البعد عن الأفكار الأفلاطونية التي يمكن أن تخطر على بالك، مختصراً كل الاحتمالات التي تراود ذهنك وتفكيرك بعبارة واحدة: «الغناء هو أملي الوحيد في الحياة، الغناء هو مستقبلي»، رددها أكثر من مرة. ولم يقتصر حدود التعبير عند هذا المتسابق أو المشترك بل كان جواب أو تعليق الأغلبية العظمى من المتسابقين، وليس في الأمر صدمة، بقدر ما هو «أسف» على مستقبل شبابنا ومستقبل أمتنا العربية، حيث لم يعد مستبعداً أنه الآن في خبر كان.
لا أخفي عليكم أن ما يدور حولنا يجعلنا نعيش كثيراً من المتناقضات، في المقابل كيف لي أن أشجع هذا الشباب على البحث العلمي والتمحيص والتفكير، وأن يدفن شبابه بين الكتب والموسوعات العلمية، ونحن جميعاً نشاهد تهجير شعوب برمتها من أرضها متجهة نحو المجهول، لا تعرف إلى أين مسيرها وما هو مصيرها؟! شعوب تسير بين الجبال والوديان، كالقطيع متراصة مع بعضها البعض، كي تقي أجسادها من البرد والصقيع الذي يحوطها. وآخرون يرمون أنفسهم في «زوارق الموت»، معتقدين في قرارة أنفسهم أنها زوارق النجاة، معتمدين على القدرة الإلهية، على إرسائهم بر الأمان، فهم لا يلقون بأيديهم إلى التهلكة، هم يهربون من التهلكة البرية، إلى الملاجئ البحرية. ومع كل ما نحصره من المآسي والنكبات، فإن أكثر هؤلاء الناس حظوظاً هم أكثرهم مرتبة علمية. فكان علمهم بمثابة الجواز الدبلوماسي الذي هيأ لهم حياة بديلة طيبة وإن كانت لا تعادل ما كان يمتلكه من ثروات في أرضه. وعلى المنقلب الآخر شباب متعلمون تغسل أدمغتهم ليسخروا علمهم في قتل إخوانهم!
نأمل ألا يبقى السلام العربي مجرد حلم عابر بين الأجيال.