في إحدى ليالي الأسبوع الماضي، بقيتُ محشوراً في سيارتي لأكثر من ثلاث ساعات حين حاولت إنجاز بعض المعاملات البسيطة، متنقلاً من شارع إلى شارع، ومن زقاق إلى زقاق، هرباً من ضغط الاختناقات والازدحامات المرورية، لكن دون جدوى، وكأن لسان حال تلكم الشوارع يقول «لا مفر من زحمتي».
أصبحتْ شوارع البحرين اليوم لا تطاق، وأصبحت كاميرات رصد المخالفات أكثر من الجسور المعلقة، وربما أصبح عدد المهندسين العاملين على تخطيط الشوارع في وزارة الأشغال أكثر من عدد الأنفاق التي تسهل عمليات انسياب حركة سير السيارات، ومن المؤكد أن ما نحصيه من رجالات المرور والدوريات المختصة بتحرير المخالفات أمام أعيننا أكثر بكثير من عمليات تنظيم حركة الاختناقات المرورية في المناطق التي لم تعد صالحة للاستخدام المروري الآدمي.
لست أُغالي حين أجزم أن البحرين هي الدولة الوحيدة في العالم التي يتساوى فيها عدد السيارات بعدد سكانها من المواطنين، وهذه الحركة الطردية في طبيعة الزيادات باتت أمراً خطيراً للغاية، فاستمرار «العشوائيات» في هذا الشأن ستغرق شوارع البحرين في الأعوام القادمة، بسيارات لن تستطيع معها السير، فاحفظوا عني ما أقول، بل أستطيع أن أجزم أن تصحيح الوضع الحالي غدا مستحيلاً!
ليست أعداد السيارات الهائلة هي وحدها التي تعتبر من كوارث التخطيط في البحرين، بل هنالك أيضاً التخطيط السيء للشوارع التي تسير عليها كل تلك السيارات والآدميين معاً، فلو كانت هنالك بعض العلاجات الهندسية والفنية لكثيرٍ من شوارعنا ذات طراز «أبو كلج» لأصبحتْ حركة الاختناقات المرورية أقل «أذية» مما نتحمله من مشقة في كل دقيقة نخرج فيها لقضاء «مشاويرنا» البسيطة.
دوارات لا داعي لوجودها أصلاً، وإشارات ضوئية في قمة الغباء، واختفاء الجسور المعلقة والأنفاق والشوارع الدائرية والمخارج الفرعية عند الكثير من شوارعنا الرئيسة وغير الرئيسة، فاقمت من المشكلة المرورية في البحرين، ناهيك عن عدم وجود شبكة مواصلات حديثة متعددة ومعتمدة، ساهمت بشكل كبير في توريط المسؤولين عن إعطاء رخص القيادة ورخص المركبات بشكل منضبط!
أما عن إعطاء رخص القيادة «الليسن» لكل من يدب على وجه هذا الوطن، سواء من بحرينيين أو أجانب، عقد من وجود حل لهذا الملف الكبير، وكأن كل الجهات تسببت بشكل مقصود أو غير مقصود في صناعة «الفوضى الشوارعية» والمرورية التي وصلنا إلى ذروتها اليوم.
ما هو مطلوب الآن - حسب اعتقادنا القاصر - هو تبني خطة وطنية طارئة لتدارك ما يمكن تداركه في شوارع مملكة البحرين، قبل أن تصل الأمور إلى طريق مسدود وشوارع مسدودة كذلك، فبعد عامين أو أكثر، سيكون من الصعب أن تصل إلى مرادك وأنت في سيارتك التي لا تستطيع أن تتحرك «ياردة» واحدة نحو الأمام، أو عليك أن تشتري دراجة هوائية «جديدة» لا غير، مخافة أن يلاحقك رجل المرور لتحرير مخالفة تتعلق «بتاير سيكلك» أو»مقلصته» لو كان قديماً، كما يحدث في هذه الأيام، وهذا هو المعنى الحقيقي للأمر المضحك المبكي، حين لم نعرف كيف نرتب أولوياتنا في معالجة أزمة كبرى تتجاوز حدود «السيكل» المسكين!