هل الحل في تعامل عربي خليجي مغاير مع النفط، سواء بتقليل نسب تصديره بحيث يرتفع سعره؟! أم أن هناك أسلوباً آخر يمكن استخدامه بحيث يعود القلق لمن يستهدفنا بأن إرادة الرجال التي أثبتها الملك فيصل مازالت تسري في عروق العرب؟!


سعر النفط يتهاوى وهذا ما يؤثر على الدول العربية والخليجية اقتصادياً بالأخص المصدرة له. وأسباب التهاوي تحليلها يشير لفرضية أنها قد تكون بفعل فاعل، أو بمساعٍ غربية لإضعاف الدول العربية، والمستفيد من ذلك القوى الغربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إذ إضعاف القوى المقابلة يقتضي ضربها في أقوى أسلحتها.
أفكر في هذه الفرضية ويقودني التفكير لأعظم حادثة عربية كسرت فيها شوكة أمريكا حينما أوقف الملك فيصل رحمه الله تصدير النفط لهم.
وبالأمس وقعت في يدي حادثة يرويها محمد الدواليبي المستشار السوري في الديوان الملكي السعودي منذ عام 1965 والذي توفي في 2004 عن عمر يناهز 97 عاماً ودفن في المدينة المنورة، حيث يتحدث عن أخطر حوار سياسي دار بين الملك فيصل رحمه الله والرئيس الفرنسي المحنك شارل ديجول والذي فيه غير الأخير موقفه من القضية الفلسطينية.
يقول الدواليبي في مذكراته: «لقاء غداء في باريس في الخامس من يونيو 1967 جمع الزعيمين، بدأه ديجول بسؤال: يتحدث الناس بلهجة متعالية أنكم يا جلالة الملك تريدون قذف إسرائيل بالبحر. إسرائيل أصبحت أمراً واقعاً، ولا يقبل أحد في العالم رفع هذا الأمر الواقع.
فأجابه فيصل: أستغرب كلامك، هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعاً، وكل فرنسا استسلمت إلا أنت! فانسحبت مع الجيش الإنجليزي، وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلّبتَ عليه. وألمانيا تنتهز الفرصة من وقت لآخر لخلافها معكم على منطقة الألزاس. كلما احتلتها وقف الشعب الفرنسي ينتظر حرباً عالمية ليستعيدها، فلا أنت رضخت للأمر الواقع ولا شعبك رضخ، فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع. والويل عندئذ يا فخامة الرئيس للضعيف من القوي إذا احتلّه القوي وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديغول أن الاحتلال إذا أصبح واقعاً فقد أصبح مشروعاً.
دهش ديغول من سرعة البديهة والخلاصة المركّزة بهذا الشكل، وكان ديغول لم يستسلم ويتراجع، وإنما غيّر لهجته متأثراً بما سمع، وقال: يا جلالة الملك، لا تنسَ أن هؤلاء اليهود يقولون: إن فلسطين وطنهم الأصلي، وجدهم الأعلى إسرائيل وُلِد هناك. قال فيصل: أنا من الأشخاص الذين يعجبون بك ويحترمونك، لأنك رجل متدين مؤمن بدينك، وأنا يسرني أن ألتقي بمن يخلص لدينه، وأنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدس. أما قرأت أن اليهود جاؤوا من مصر غزاة فاتحين، حرّقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال، ما تركوا مدينة إلا أحرقوها، فكيف تقول إن فلسطين بلدهم، وهي للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون. وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة، فلماذا لا تعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة؟ أنصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود، ولا نصلحها لمصلحة روما عندما كانت تحتل فرنسا والبحر الأبيض كله وإنجلترا أيضاً؟ ونحن العرب أمضينا مائتي سنة في جنوب فرنسا، في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة ثم نفوا بعدها. وهذا مثال تاريخي أيضاً.
قال ديغول: ولكنهم يقولون: في فلسطين وُلِد أبوهم. قال فيصل: غريب!! عندك الآن مائة وخمسون دولة لها سفراء في باريس، وأكثر السفراء يولد لهم أولاد في باريس، أفلو رجع هؤلاء السفراء إلى بلادهم، ثم جاءت ظروف صار فيها هؤلاء السفراء رؤساء دول، وجاؤوا يطالبونك باسم حق الولادة بباريس، فمسكينة باريس، لا أدري لمن ستكون؟!
هنالك، سكت ديغول، وضرب الجرس مستدعياً بومبيدو، وكان جالساً مع الأمير سلطان والدكتور رشاد فرعون في الخارج، وقال له: الآن فهمت القضية الفلسطينية، أوقفوا السلاح المصدَّر لإسرائيل. وهكذا قُطع السلاح الفرنسي عن إسرائيل منذ ذلك اليوم من عام 1967 قبل الغزو الثلاثي لمصر بأربعة أيام.
وفي صباح اليوم التالي في الظهران استدعى الملك فيصل رئيس شركة التابلاين الأمريكية وقال له: إن أي نقطة بترول تذهب إلى إسرائيل ستجعلني أقطع البترول عنكم. ولما علم بعد ذلك أن أمريكا أرسلت مساعدة لإسرائيل قطع عنها البترول وقامت المظاهرات في أمريكا ووقف الناس مصطفين أمام محطات الوقود وهتف المتظاهرون: نريد البترول ولا نريد إسرائيل»!
انتهى الاقتباس هنا من مذكرات الدواليبي، والآن لنفكر، كان النفط سلاحاً عربياً ماضياً أمامه اهتزت أمريكا، واليوم هذا السلاح يضعف سعره، والعملية لا يمكن استبعاد وجود مخطط وراءها.
هل الحل في تعامل عربي خليجي مغاير مع النفط، سواء بتقليل نسب تصديره بحيث يرتفع سعره؟! أم أن هناك أسلوباً آخر يمكن استخدامه بحيث يعود القلق لمن يستهدفنا بأن إرادة الرجال التي أثبتها الملك فيصل مازالت تسري في عروق العرب؟!