من الأخبار المثيرة التي نشرت في اليومين الماضيين وحظيت بصفة «عاجل» تصريح رئيس أركان القوات المشتركة الجنرال جوزيف دنفورد أن «بلاده تعتقد أنه يوجد أقل من ألفين من القوات الإيرانية في سوريا تساعد القوات الموالية للأسد، وأن أكثر من ألف عسكري إيراني ينتشرون في العراق، لدعم حكومة بغداد». الإثارة ليست في توفر هذا العدد من المقاتلين الإيرانيين، وإنما في أن الولايات المتحدة اعتبرت الخبر مثيراً رغم أنه لا يتضمن جديداً، حيث العالم كله يعرف أن إيران تشارك بجنودها في سوريا وفي العراق، وليس بمستشارين وخبراء وناصحين، كما يحلو للحكومة الإيرانية أن تقول وتردد، ولولا مشاركة الجنود الإيرانيين الفعلية في هذين البلدين لتغيرت -منطقاً- أمور كثيرة ولصار بشار الأسد منذ زمن «من صيد أمس».
كل من قرأ الخبر لابد أنه شعر وكأن قائله كان يسخر منه ومن العالم، ليس لأنه لا يتضمن جديداً فقط، ولكن لأن من المثير للسخرية أن تكون الولايات المتحدة بكل قدراتها الاستخباراتية وخبراتها وتواجدها المكثف في المنطقة لم تعلم بهذا الأمر إلا متأخرة فتركض بالخبر وكأنها قد «أتت بالذيب من ذيله»!
الواضح أن الولايات المتحدة صار عليها أن تقول ذلك لأن الجنود الإيرانيين بدؤوا يتساقطون بسخاء في المعارك التي لا تتوقف في سوريا والعراق حتى إنه لم يعد يمر يوم إلا ويسمع فيه العالم عن مقتل مسؤول أو جندي إيراني ويراهم وقد أعيدوا إلى طهران في صناديق ملفوفة بالعلم الإيراني «الأخبار تؤكد مقتل عدد كبير من الإيرانيين منذ مطلع أكتوبر في سوريا وهو ما يعني أن تعاوناً واسعاً قد تم مع القوات الروسية نصرة للأسد».
هذا لا يعني أن إيران لم تخسر جنوداً أو مستشارين لها يحاربون في هذين البلدين العربيين قبل هذا الوقت، فخسائرها كثيرة ولكن من الواضح أنه لم يعد بالإمكان التستر على ذلك في هذه المرحلة، ربما بسبب زيادة أعدادهم، أو بسبب افتضاح أمرهم، تماماً مثلما أنه من غير المعقول ألا تكون الولايات المتحدة قد علمت بوجود هذه الأعداد من المقاتلين الإيرانيين إلا مؤخراً، ومن غير المعقول أن تكون خسائر روسيا جندياً واحداً فقط «انتحر لمشاكل مع فتاة في حياته الخاصة»!
التقدم الذي تحرزه حالياً قوات بشار الأسد في سوريا -لو كانت الأخبار دقيقة- تحرزه بفضل القصف الروسي بالطائرات لمواقع تنظيم الدولة «داعش» والمعارضة السورية، وبفضل القوات الإيرانية المتواجدة في سوريا، والتي بالتأكيد لن تبقى محصورة في العدد الذي أعلنته الولايات المتحدة، فبعد قليل ستجد إيران نفسها مرغمة على إرسال أعداد أكبر أملاً في تحقيق نصر يتيح لها الحفاظ على دميتها في سوريا. والأمر نفسه ستفعله في العراق الذي صارت تتحكم فيه ولم يتبق سوى أن تنصب عليه والياً فارسياً، وتعلنه رسمياً كمحافظة تضاف إلى المحافظات الإيرانية.
حتى وقت قريب كانت إيران تنفي وجود قوات لها في سوريا أو العراق ثم اضطرت للاعتراف بوجود عسكريين لها هناك، ولكنها قالت إنهم مستشارون يقدمون النصيحة قبل أن تعترف بوجود قوات لها على الأرضين ويرى العالم جانباً من خسائرها.
اليوم تقول إيران الشيء نفسه عندما يقال إن لها قوات تحارب إلى جانب الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وتعتبر ذلك اتهاماً باطلاً، لكنها بعد قليل ستقول إن لها مستشارين لتقديم النصيحة قبل أن تعترف بتواجد قوات لها على الأرض اليمنية وإمداد الموالين لها هناك بالمال والسلاح.
هذا الأمر أيضاً لن يكون مثيراً لو أعلنه أي مسؤول أمريكي عبر خبر ينشر بصفة «عاجل» لأنه من غير المعقول ألا يكون للقوات الإيرانية تواجد في اليمن فلولاها لصار الحوثي والرئيس المخلوع «من صيد أمس» أيضاً.