قبل عدة أسابيع ثارت قضية «العشر درجات» في مصر. حيث قررت وزارة التربية والتعليم رصد عشر درجات من مجموع الثانوية العامة للحضور والسلوك. لكن هذا القرار جوبه برفض شديد من الطلبة وثورة عارمة منهم، وضغط كبير على مستوى الرأي العام والتجمهر أمام مبنى وزارة التربية والتعليم، مما أدى إلى إلغاء القرار. لقد نجح الطلبة في فرض مشيئتهم وأسقطوا قراراً وزارياً!!
مؤشرات هذه الواقعة خطيرة. ومصر هنا نموذج، وليست حالة فريدة. المؤشر الأول لهذه المشكلة هو عزوف الطلبة عن الحضور إلى المدرسة، وتراجع سلوكهم الإيجابي داخل أسوارها، الأمر الذي استدعى معالجات شديدة تصل حد العقاب الجماعي. والمؤشر الثاني هو عجز النظام التربوي عن إيجاد حلول ناجعة لمشكلات الطلاب المتمثلة في عدم الانضباط، إلا الاقتصاص من درجات الثانوية العامة التي تعتبر، في مصر تحديداً، ممر العبور نحو المستقبل.
وبعض الأسس المفصلية في الإشكال التربوي السابق هو تحول المدارس، في الوطن العربي، إلى بيئة غير جاذبة للطلبة، وغير محفزة لتعلمهم. حتى وإن تميزت المدارس بحداثة مبانيها وأثاثها واحتوائها على متطلبات تكنولوجيا التعليم، وغيرها من الإمكانات التي نتصور أنها تحقق تعليماً نموذجياً ومتطوراً. لقد ازدهر التعليم الخاص بشكل كبير في السنوات الأخيرة!! زاد عدد المعاهد الخاصة التي يداوم فيها معلمو التعليم الصباحي، وتجاوزت ظاهرة استقدام معلم خصوصي للمنزل التعبير عن الترف الاجتماعي إلى التعبير عن ضرورة تعليمية ملحة لدى كثير من الأسر. من أجل ذلك تراجع تقدير الطلبة لمدارسهم ومدرسيهم ولم يعد الحضور اليوم ذو دلالة مصيرية ولم يعد الإصغاء إلى الدرس والانضباط في حضور المعلم يشكل فائدة حاسمة في نتائج التحصيل النهائي للطلبة.
وستبقى هذه المشكلات قائمة مادامت معالجاتها تقليدية. فبما أن التعليم يقوم على إعادة تلقين المحتوى «الموثق» في الكتب المدرسية، ورصد درجات «موضوعية» للإنجاز الطلابي على أوراق الاختبارات والامتحانات، فإن كل المطلوب من الطلبة أن يعيدوا نثر محتوى الكتب على أوراق الاختبارات ليحصلوا على درجات مرضية لهم. فما قيمة الالتزام بحضور المدرسة والانضباط السلوكي فيها إذا كان هذا هو المطلوب فقط؟!
يحتاج التعليم في الوطن العربي إلى نقلة تحوله من تعليم يقيس مدى حفظ الطالب لمعلومات كتب عام دراسي إلى تعليم يقيس مدى إتقان الطالب لمهارات عام دراسي. ثم يقيس أثر امتلاك الطالب لتلك المهارات على تطوره الشخصي، وتقدم مهارات التفكير العليا لديه، وخصوصاً مهارات التفكير الناقد. هذا المدخل سيحد بشكل ملحوظ من الاتجاهات السلبية لدى الطلبة تجاه التعليم وسيحدث نقلة نوعية في التنمية الإنسانية في بلداننا حتى وإن كان التعليم ينفذ في صفوف تفتقد مظاهر التكنولوجيا الحديثة.