الإرهاب شر لا يتجزأ في مساره الفكري وتكتيكاته الإجرامية، ولكن هناك حالة واحدة يرتفع فيها المعدل والسلوك الإرهابي، حين تتم تغذية سلبية في الإطار العقدي تمنحه قوة دفع أكثر هيجاناً، وتلك هي حالة الرؤية الطائفية. فإذا كان الإرهابيون يكفّرون كل من عداهم، فإنهم حين يتعاملون بمنظور طائفي يصبحون أكثر وحشية وإجراماً، وتلك مسألة لا تحتاج لاجتهاد لإثبات واقعيتها، فالنفق المظلم للإرهاب ومن يحملون فكره يزداد ظلمة في تعاطيه مع مذاهب تختلف عن المذهب الذي يعتنقه الإرهابي، ويمكن أن نتعامل مع سلوك تنظيم الدولة في حالة الإيزيديين والشيعة، و«حزب الله» الحجازي لنلتمس جرعة مضاعفة في العداء المتبادل الذي يكشف احتقاناً رهيباً في النفوس.
ما حدث مؤخراً من تفجيرات المساجد في الأحساء والدمام وحسينية سيهات ومسجد عسير وأخيراً مسجد المشهد في نجران، يؤكد بلوغ الفكر الإرهابي إحدى أكثر مراحله خطورة، ففي غالب تلك الهجمات أبعاد طائفية، وأؤكد ما ذكرته استهلالاً أن الإرهاب سلة واحدة من الإجرام والانحراف العقدي، ولكننا بصدد الجرعة المضاعفة أو الإضافية في السلوك الإرهابي، التي تأتي عبر رياح الطائفية في وقت نكافح فيه جميعاً التطرف والتنظيمات المتطرفة والإرهابية.
فحادثة مسجد المشهد استهدفت تحديداً أتباع الطائفة الإسماعيلية التي تعتبر هادئة ولم يأتِ من قبلها ما يستهدف جماعة أو أحداً، رغم أنها تعرضت لاتهامات بالشرك والكفر والزندقة والاتصال بقوى خارجية، وحين يصل التطرف إليها في عقر دارها وهي شريكة في سلام وأمن منطقة تنعم بكل الأمن والسلام، فذلك يعني، بالضرورة، بعثاً للفتنة والعبث بالسلام المجتمعي والوطني بما يتجاوز العمليات الإرهابية التي يهلك فيها هؤلاء التائهون.
إحدى أهم أدوات مكافحة الإرهاب وأبرزها هي فعالية النظام الأمني والعقابي، وإذا كانت بعض الدول تتعامل بقوانين طوارئ في حالة حدوث موجة من العمليات التي تخترق الأمن، وتخضع مثل هذا النوع من الجرائم إلى قوانين عسكرية أكثر سرعة وفعالية من إجراءات التقاضي المعتادة التي تستغرق شهوراً لإطلاق أحكامها، في وقت ينمو فيه الإرهاب وتتحرك الخلايا النائمة. ولذلك ولتعزيز فعالية النظام الأمني واستئصال النتوء الطائفي المتطرف والإرهابي من المهم تشريع نظام تجريم الطائفية وإقراره، فذلك يساعد في وأد الفكرة الطائفية وحجبها عن العقل الاجتماعي، ومنع المتطرفين من موارد حيوية كبيرة لنشاطهم التخريبي.
تجريم الطائفية ليس مسألة مبدأ وحسب، وإنما هو أساس لسلام المجتمع، فالمتطرفون ينشؤون في بيئات يحصلون منها على وعي سلبي تجاه الآخرين، وإخراس تلك الأصوات وإسكاتها ومنع الخطاب الطائفي عمل له أهميته وقيمته الوطنية والاجتماعية والدينية، إذ إن الدين نفسه يحث على مكارم الأخلاق بدلاً من الشتم والتنابذ والإساءات والتجريح وجعلها عادة يستوعبها الصغار في سلوكياتهم وينشؤون عليها. وبدلاً من العداء والتباعد يمكن أن يتحقق التقارب والتعايش بين الناجين من شبح التطرف، فالخطاب الديني المتشدد عامل هدم لكل قيم الدين التي تدعو للاحترام المتبادل والتسامح وليس تمنّي الموت والدعاء على بعضنا كما في الخطب والمنابر، وحين يحدث وأد للطائفية في العقل الاجتماعي فإننا نفتح صفحات بيضاء واسعة للتقارب والعيش دون منغصات وأوهام عقدية، ففي النهاية نحن لا نحاسب بعضنا وإنما يحاسبنا الله.
فلتمضِ الأمور ببساطة وسلاسة بعيداً عن الشد الديني والعصبي والعقلي، ما يعزز ضرورة وجود قانون مجرّم للطائفية باعتبارها وباء عقدياً واجتماعياً يدعم ويعزز التطرف والإرهاب ويختصر طريق المكافحة والقضاء على تلك العلل، وهو ليس أمراً عسيراً وإنما الخطورة السماح بتأجيج نار الطائفية التي تنهك المجتمعات وتقضي على سلامها وأمنها، وذلك أمر لا يرفضه إلا طائفي أو متطرف يختزن أحقاداً ومرارات كامنة في نفسه تضر المجتمع بأكمله.
* نقلاً عن صحيفة «العرب» اللندنية