بعد كل ما جرى في سوريا انتهى المجتمع الدولي إلى الاتفاق على أن الحد الأدنى من مقومات الحياة والتعايش بين الجماعات، وطوق النجاة لها هو «الدولة»، أصبح بقاء «الدولة» هدفاً بحد ذاته.
في سوريا، قتلت الدولة 250 ألف إنسان، وشردت الملايين، وفي النهاية خلص المجتمع الدولي على أن إنهاء هذه المأساة والكارثة الإنسانية لن يكون إلا بالحفاظ على مؤسسات الدولة ووحدة أراضيها، لأن الجميع اتفق الآن وبعد خراب أكثر من بصرة، وبعد مشروع إسقاط الدولة وإغراقها في فوضى غير خلاقة، مشروع سيدفع ثمنه الجميع، بمن فيهم من رسم ووضع هذا المشروع، الآن اتفقوا واقتنعوا أن «الدولة» هي الكيان الحافظ وإن سقطت الدولة السورية، فإن الربع مليون الذين ماتوا ما هم سوى الحصيلة الأولية والعدد قابل للتضاعف.
سقطت الدولة الليبية وحصاد الموت لا يتوقف فيها، وتقاوم الدولة العراقية للمحافظة على ما تبقى من مقوماتها كدولة بمساعدات خارجية، بعد أن استهان من صعد على سدة الحكم فيها بمقومات الدولة العراقية وأهدروها، وها هو حصاد الموت هناك بالعشرات يومياً، ولولا ستر الله لكانت البحرين ومصر في عداد تلك الدول التي هي إما أنها سقطت أو تترنح، لكنها قاومت وصمدت.
لذا فإن تجربة «الدولة البحرينية» التي قاومت الهجمة الشرسة على المنطقة العربية واستمرت بأقل الخسائر تستحق أن تدرس بعناية، وتحسب فيها مؤشرات النجاح بعيداً عن الجردة السياسية للمجموعة التي كانت طرفاً في مشروع إسقاطها، فخسائر تلك المجموعة لا يجب أن تظلل الصورة الواقعية للدولة البحرينية الباقية والمزدهرة ومقوماتها المستمرة كمؤسسات محلية وعلاقات دولية.
كم بخسنا حق أنفسنا وسمحنا لهذه المجموعة أن ترسم صورة الواقع البحريني للمجتمع الدولي من منظورها الفاشل، وتلون واقعنا بألوان خسائرها هي لا بألوان نجاح الدولة.
حتى حسابات «التعايش» بين الجماعات في الدولة البحرينية الحافلة بالتنوع المثري للجماعات نرى أن هذه المجموعة هي من يقرر مؤشرات التعايش بينها، ورغم كل صور التعايش والتسامح والتآلف بين الجماعات البحرينية الطائفية منها والإثنية فإن تلك المجموعة لن ترى تعايشاً أو نجاحاً إلا من خلال منظورها هي فحسب، ولو تعايشت كل الجماعات وآمنت واندمجت مع بعضها ومع الدولة فإن «التعايش» غير موجود والدولة هشة وقابلة للسقوط وفقاً لحساباتها ومؤشراتها.
قصة «الدولة البحرينية» الناجحة تستحق أن تروى للبحرينيين أولاً، ما الذي حفظ البحرين؟ كيف صمدت؟ ما هو دور إطارها الدستوري؟ ما هو دور مؤسساتها؟ ما هو دور الجماعات العرقية والإثنية؟ ما هو دور الجماعات الطائفية؟ ما هو دور المنظومة الإقليمية الخليجية؟ ما هو دور قواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية؟ ما هو دور رصيدها الدولي من العلاقات؟ وبعد هذا كله ألا يستحق نظام الملكية الدستوري الذي وضع أسسه جلالة الملك أن يدرس كنموذج وتجربة فريدة من نوعها في المنطقة؟ ألا يستحق أن ينظر له من منظور يبحث عن مقومات صمود هذه الدولة؟
قصة الصمود، قصة الاستمرارية، قصة البقاء، قصة النمو الراسي للدولة، في ظل هذه الانهيارات، هي قصة نجاح عظيمة لدولة صغيرة، لم تقاوم السقوط فحسب، في ظل هجمة شرسة شاركت فيها أعتى وأقوى الدول وطعنت حتى من حلفائها، بل واصلت نجاحها وازدهارها، ألا يستحق أبناؤنا أن يعرفوا كيف حافظنا على دولتهم التي سيتمتعون إن شاء الله بظلها مستقبلاً؟