لا تلوموني سادتي، إن تعثر قلمي، وسطر كلمات وجملاً غير مترابطة، فما يحدث في العراق اليوم أمر مستطير جلل، تشيب منه الرؤوس، وتبيض منه العيون. ولقد فاق إجرام القتلة هناك ما اقترفته الصهيونية العالمية والنازية الألمانية والمغول والتتار ومحاكم التفتيش الإسبانية!!
لقد أضعنا العراق من بين أيدينا، وسلمناه غافلين أو عامدين لعدو شرير، غرز مخالبه وأنيابه الصفراء في جسده المسجى، وهو منذ سنين، يئن ويصطرخ ويستنجد بأعلى صوته منادياً، «وا إسلاماه»، «وا أمتاه»، ولا مغيث، ولا مجيب له، ولا عودة حتى لصدى استغاثته.
لقد أوصدت بوجهه كل أبواب الرحمة والنخوة والإنسانية، فأصبح بلداً بلا هوية، وشعباً ممزقاً بلا قضية، لقد تكالبت عليه كل قوى الشر العالمي لتمزيقه، وأشبع لدغاً وطعناً، بعد أن أحيط به من كل حدب وصوب، وهو يدفع عنه الركلات والطعنات، ويأبى الركوع إلا لله، لكن للأسف، تمكنت منه تلك الرماح والأنياب المسمومة، وهو اليوم يحتضر كالنخلة، واقفاً منفرداً بعد أن خذله إخوته وبنو عمومته.
ما يفعل سادتي بالعراق اليوم هو شبيه بما فعل بإمام الشهداء، سبط النبي، الحسين رضي الله عنه. وواقعة الطف المريرة تجري فصولها يومياً في العراق، فكما استشهد الحسين في العراق غيلة، فاليوم ينحر أهل العراق.
لقد أجرمت أمريكا وفعلت فعلتها النكراء مع حلفائها بتدمير العراق، ثم تسليم مقاليده لإيران، فها هم اليوم يعترفون ببشاعة فعلهم، فكما بالأمس اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بخطأ سلفه بشن الحرب وإسقاط العراق ونظامه تبعه مؤخراً ذيله توني بلير ليعترف بفداحة خطئهم الاستراتيجي، وأن انخراط بريطانيا وراء ساسة البيت الأبيض كان تهوراً، وخوض الحرب كان قراراً غير صائب، وهي سبب للفوضى التي تجتاحه وبالتالي أفرزت في تجمع كل حركات الإرهاب فيه!!
لكن في أي بنك نصرف اعترافاتكم يا قادة الإجرام، وقد حولتم العراق إلى حمام دم وأحقاد وثأر وانتقام؟!
ليت الوضع العراقي كان مقتصراً على الاحتلال الأمريكي رغم عدوانيته، لكنه تمخض عن أكبر طعنة وخنجر مسموم، غرز بين أضلاع الأمة، حينما عمدت أمريكا بتمكين ملالي طهران وأذنابها من حكم العراق وإلحاقه بالولي الفقيه. لقد برع أولئك المجرمون من أتباع إيران وميليشياتها وأحزابها وعلى رأسهم «حزب الدعوة» وقياداته في ممارسة كل صور الإجرام والفساد والرذيلة، ولم تخلُ اليوم بقعة عراقية إلا وفيها من الأثر لإجرامهم فهم كخلايا السرطان أو البكتيريا التي تنتشر في الجسد، تعتاش وتنتفخ ثم تخرب المكان فلا يمكن بعد ذلك إسعافه أو تطبيبه.
فهم من جهة أفرغوا البلاد من الخيرات، وهربت قياداتهم وعلى رأسهم نوري المالكي وطاقمه الفاسد مئات مليارات الدولارات، ورهنوا ما في باطن الأرض لعقود مقبلة لكبريات الشركات، وعمدوا إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، وطمسوا معالم بغداد، واستقدموا شركات وهمية إلى أن هوت بمنظومة البنى التحتية وتراجعت بعدها جميع الخدمات، فها هي بغداد اليوم تغرق مع كل زخة مطر، وتجرف السيول سكان المدن وممتلكاتهم، فضلاً عن المشردين من سكان المخيمات، فلا صيف يرحمهم ولا شتاء يجمعهم. بلد يسبح فوق بحر من الخيرات وأهله محرومون من أبسط مستلزمات الحياة.
هذا غيض من فيض لما فعلته الأحزاب الإيرانية وأتباع الولي الفقيه، في بلد كان مهداً للحضارات، وجمجمة العرب، وقبلة العلماء، ومجمع المذاهب والفقهاء. أصبح اليوم بتسلطهم من أسوأ بلدان العالم، ويتقدمها فقراً وجوعاً ومرضاً، بل وانتشاراً للأوبئة والأمراض التي انحسرت منذ أمد بعيد كالكوليرا والتيفوئيد.
وإذا ذكر العراق اليوم في أي محفل دولي فيتبادر للمستمع أنه بلد القتل والتشريد والرعب والإرهاب والأوبئة والتخلف والفساد ومرتع السراق والمافيات.
هذه هي يا أخواني من شيعة العرب والعجم، مخرجات قيادات «حزب الدعوة»، وباقي التشكيلات الفاسدة أتباع سفيه إيران، وهي نتيجة حتمية لأحزاب عميلة دموية لبست العباءة الدينية.
لقد سقطت عنهم أخيراً ورقة التوت، وبانت سوآتهم، فهم اعتادوا أن يتقدموا الصفوف دوماً في اللطم، ويذرفوا دموع التماسيح، ويختفوا عن الأنظار، ويحتموا في السفارات الأجنبية، والمنطقة الخضراء، عند كل مصيبة تقع على رؤوس العراقيين الشرفاء، وآخرها غرق بغداد، أو عندما يثور الشعب، ويكتشف جرمهم وسرقاتهم وفسقهم ولياليهم الحمراء.
لقد انخدع بهم شعب العراق، شيعته وسنته، وهو يحاول جاهداً لفظهم بعد ليل طويل وشقاء! لكن كيف السبيل لشعب أعزل يجابه بصدره العاري وظهره المكشوف أعتى المجرمين وأشد الأعداء؟
فعراقنا اليوم جاثم على صدره أتباع الولي الفقيه وأذنابه، وهو يحتضر، ولا بواكي له، والأمة في حالة لا تحسد عليها، مكلومة تتحسر وتنتظر، وستبقى المنطقة في اضطراب وغليان، طالما أن رأس الأفعى المجوسية في بغداد تنفذ سمومها، ونحن نلاحق ذيلها تارة في الشام وأخرى في اليمن، وأفراخها في باقي دول الخليج ولبنان.
فليستفق شيعة العرب وألا ينخدعوا ويصطفوا وينساقوا وراء التضليل والكذب الذي يمارسه أتباع الولي الفقيه، وملالي إيران، كما استغفل من قبل إخواننا شيعة العراق، وها هم يدفعون الثمن باهظاً، ولا خلاص ولا نجاة تلوح لهم في الأفق.
فتلك القيادات والرجال والميليشيات لا تختلف أبداً عن بعضها البعض، وهي نسخة طبق الأصل من عملائهم في العراق والشام ولبنان وكل مكان.
فإن تمكنوا لا قدر الله منكم فسينهبوا خيراتكم، ويدمروا بلادكم، ويسفكوا دماءكم، ويستبيحوا أعراضكم، ويشردوا شبابكم، والحكيم من اتعظ بمصاب غيره، وما العراق والشام وشعباهما المنكوبان منكم ببعيد!