انشغال العالم بقضايا الإرهاب أدى إلى انزواء القضية الفلسطينية حتى بدت وكأنها لم تعد قضية، ورغم أن جميع العرب والمسلمين يرددون دائماً أنها لاتزال قضيتهم الأولى وأنها جرح في القلب، ورغم كل ما يقولونه عن القدس، إلا أن الجميع لا يوفر الدليل على هذا القول بل لم يعد يهتم بتوفيره. ترى من التفت إلى الخبر الذي ملخصه «الجيش الإسرائيلي يقتل 72 فلسطينياً هذا الشهر»؟ ومن التفت إلى أن الخبر نفسه تضمن جزئية عن أن 14 طفلاً كانوا من بين الـ72 شهيداً؟ ومن انتبه إلى أن عدد المصابين تجاوز الألف؟ ومن اهتم بجزئية الخبر التي تبين أن إسرائيل تحتجز جثامين الشهداء بعد قتلهم بدم بارد بتهمة الشك في محاولتهم طعن جندي؟ ومن تأثر بالخبر المتعلق بمقتل رضيع فلسطيني بسبب استنشاقه غازاً مسيلاً للدموع في بيت لحم؟
القضية الفلسطينية هي مفتاح حل كل القضايا في المنطقة، من دون حل هذه القضية لا يمكن حل القضايا العربية الأخرى. هكذا كان المسؤولون العرب يقولون ويؤكدون في كل مناسبة، إلى أن جاءت قضية الإرهاب فانشغل الجميع بها، ووضعت القضية الفلسطينية على الرف، ولم يتمكن أحد حتى الآن من حل القضايا الأخرى التي تميزت بإيقاع سريع جعل الجميع ينشغل بها، ويبتعد كثيراً عن القضية الفلسطينية، إلى الحد الذي لم يعد أحد يتأثر بمثل هذه الأخبار وما يجري هناك.
يصعب بالطبع توجيه اللوم لأحد في هذا الذي صارت فيه القضية الفلسطينية، فما يجري في العراق وسوريا وليبيا واليمن لا يقل عما يجري في فلسطين، بل إن الخراب الذي طال هذه الدول يبدو أنه أكثر، والمعاناة التي يعيشها الناس في هذه البلدان لا تقل عن معاناة الفلسطينيين.
في كل الأحوال صارت الأولوية -منطقاً وواقعاً- لمحاربة الإرهاب، ليس الصهيوني ولكن «العربي والإسلامي»، الذي تجاوز كل الحدود والأخلاق وكل القيم والأعراف والمبادئ، إلى الحد الذي جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول من على منصة الأمم المتحدة متبجحاً بأن «من قتل على أيدي العرب والمسلمين في سوريا في أربع سنوات يفوق من قتلوا في فلسطين في سبع وستين سنة».
أمين عام جامعة الدول العربية السابق عمرو موسى قال للصحافيين في «حوار المنامة» إن «الدول العربية تواجدت على المائدة لبحث الحل في سوريا لكن الحل لن يتم إلا بالتكامل مع الوضع في العراق». وهذه حقيقة موجعة أيضاً، ذلك أنه من غير الممكن الانتهاء من سوريا ثم التفرغ للعراق، وبعدها لليبيا واليمن وغيرهما، فقضايا هذه الدول وإن اختلفت في التفاصيل فإنها واحدة وملخصها الإرهاب.
في «حوار المنامة» سعى المجتمعون إلى تحليل الواقع وتدارس التطورات وطرح التصورات، وخرجوا متوافقين على كثير من الأمور، وهذا يعني باختصار أن دول العالم التي قررت محاربة الإرهاب ستبذل كل ما في وسعها لتحقيق هذا الهدف، وهذا أمر طيب ويبشر بالخير، لكن ما ينبغي الانتباه له هو أن الإرهابيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي، وسيطورون هم أيضاً من قدراتهم وإمكاناتهم، ولن يتراجعوا، فالموضوع بالنسبة لهم صار فرصة للتحدي وإثبات الوجود.
الهدف الذي اجتمع المعنيون من أجله في حوار المنامة كبير، والجهد الذي بذلوه للتوصل إلى قناعات مشتركة وتفاهمات وتوافقات كبير أيضاً، لكن الإرهاب لن يبقى ساكناً في الدول الأخرى ريثما ينتهي العالم من القضاء عليه في واحدة من الدول المتضررة منه، هذا يعني أنه صار على العالم أن يحارب الإرهاب في كل مكان، في وقت واحد، ومن دون أن يستثني فلسطين، التي تعاني من الإرهاب منذ أكثر من نصف قرن.