الأعاصير في كل مكان.. والأمطار والسيول تغرق البلدان والوديان. ها هو ذا موسم المطر يهل على معظم دول الكرة الأرضية ويباغتها بقوة كأنه أول العهد بسمائنا وأرضنا. كل الأرض تنتظر المطر وتشتاق له. كل الأرض تحيا وتنتج وتبتهج بسقوط المطر. وبرغم كل ضرر قد يسببه تساقط الأمطار بغزارة. يبقى المطر خيراً وسعادة وبشرى ونبقى نشتاق للمطر في كل حين.
لا شيء كالمطر نقاء.. تلك القطرات البكر التي ولدت من السماء.. تلك السحب الناعمة التي تدثر شمس صيفنا الحامية فتبرد على غير عادتها. تلك النسائم العذبة التي تتخلل أوراق الشجر فيغدو في أحسن ينعه. إنها نتاج المطر وملازماته وتحضر مخفورة في معطفه.
حين أنشد بدر شاكر السياب رائعته «أنشودة المطر» حلّ المطر أسطورة في عيني حبيبته، وشراباً يسقي قبر والدته. وذكرى ليلة ميلاده الأليمة. ورزقاً يقتات عليه جرذان العراق ويبقى شعب العراق جائعاً فقيراً.. برغم وفرة المطر. إنه المطر، سجلنا الذي يحفظ ذاكرتنا، وتاريخنا وذكرياتنا وآمالنا وأحلامنا وخيباتنا التي يهطل عليها المطر.
في أساطير الطوفان القديمة وسيره في الكتب المقدسة كان المطر كالنار أداة للتطهير من الآثام. كان الطوفان نهاية الغالبية الشريرة من سكان الأرض، وإعلاناً لميلاد القلة الخيرة التي ستنجب الأخيار ممن يعمر الأرض. ولكن.. ما بال القلة الخيرة أعادت إنتاج الشر؟ هل تحتاج البشرية لطوفان آخر يعيد للبشرية صلاحها؟ وفي أساطير الطوفان القديمة لم تتنازع الحضارات القديمة على موقع انهمار الطوفان، ولكنها تنازعت على الجبل الذي رست فيه سفينة نوح. يزعم اليونان أنه عندهم وكذلك البابليون والهنود أيضاً وأخيراً.. الأمريكان!! يقول الأمريكان أن سفينة نوح رست في أحد جبالهم فليسوا أقل تاريخا وتأثيراً ممن نعتمدهم نحن حضارات عظيمة. كثيرون هم الذين يريدون أن تصير جبالهم الانطلاقة الثانية لبدء الخليقة.
متى يسقط المطر؟ ليت المطر كالغيم لا موسم له. ليته كالريح يأتي من كل الجهات. ليت المطر لا يثور وفي الأرض سريعا يغور. إنه المطر رسول الرحمة وسفير الدعوات المستجابة. يغسل الأرض ومن عليها وينعش الأنفس والأجساد التي تحتويها.