كافة الشعوب الأوروبية وبقية شعوب العالم والقليل من العرب مشغولون بمتابعة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، فالمربع الأخضر سلب ألباب الناس في الدول المتقدمة، وجعل شعوبها تتلذذ بمشاهدة أجمل مباريات الكرة الأرضية على الإطلاق، سواء من داخل الملاعب أو في الساحات. هذا هو أحد أهم البرامج الترفيهية والوطنية التي تمارسها كل الشعوب التي تسكن الجهة الغربية من العالم.
حتى هذه اللحظة لا نود أن نتحدث عن إنجازات تلكم الدول أو بطولاتها في مجال الصناعات العسكرية والعلمية والطبية والتقنية والتكنولوجية وغيرها من المفاخر التي تحسب لصالح الإنسانية، ولكنا اكتفينا بتذكير العرب بما تعيشه الشعوب الغربية من متعة مشاهدة كرة القدم وحسب.
في المقابل، تعيش الشعوب العربية والإسلامية حروباً طائفية طاحنة، فانشغلت بمعارك جانبية ومذهبية وتاريخية عن بناء واقعها فضلاً عن مستقبلها، وها هي اليوم تتجه نحو المجهول، لتتنكر لقيمها وبناء حضارتها التي بدأت تسقط بأيدي أهل هذا المشرق الكئيب.
بدأنا نتسلى بمشاهد الدماء والمتفجرات والمفخخات والاقتتال والسبي وقطع الأطراف وتدمير الأوطان، خدمة للأجنبي تارة، وأخرى في سبيل استكمال مشاهد الجهل وقيم الانحطاط العربي، ومن هنا بدأت صور الموت والعبثيات العدمية تطغى على كل وخزات الضمير ومنابع الحكمة والعقل، فصرنا اليوم أُضحوكة بين شعوب تلكم الدول التي تشاهد مباريات كرة القدم، والتي نعتبرها من أتفه شعوب العالم!
مؤامرات وخيانات واغتيالات نحيكها في جنح الظلام من أجل أن نظل في مؤخرة العالم، بينما تقبع بقية الشعوب العربية بين ذل الفقر والحاجة وبين الجهل والتخلف، وهذا ما تريده الإدارات السياسية الغربية للعالمين العربي والإسلامي، فحركة الاستنزاف الحاصلة لدولنا، تقابلها حركة تنشيط وإحياء لمصانع الأسلحة والمكياج كذلك، فما نفشل فيه هنا، ينجح فيه الغرب هناك.
هي ليست مؤامرات محضة، وليست سلوكيات وممارسات عربية خالصة، لكنها خصال سيئة اجتمعت، وكل منها يكمل الآخر، حتى أصبحنا أضعف من أي شيء ومن أي وقت مضى، بينما الغرب يمارس أبشع الأساليب السياسية لابتزازنا بسبب ضعفنا، ولهذه الأسباب لم ولن تنتهي مشاهد العنف في منطقتنا.
يجب على الشعوب العربية والإسلامية أن تستفيق من غفلتها، وأن تطالب بالتغيير وفق ما تتطلبه مصلحة أوطانها وليس وفق ما تطلبه الإدارات الغربية الجشعة أو جماعات العنف والإرهاب والتطرف، فنحن اليوم لم نعد نحلم بمتابعة كرة قدم لدوريات عربية يموت مشجعوها في أعمال عنف بعد كل مباراة، بل مطلبنا الوحيد هو أن نحلم بأوطان تلمنا وتحضن آمالنا وأحلامنا وتضمن مستقبل أجيالنا، فنحن بين خيارين اثنين، إما أن نكون أو لا نكون، فكل الخيارات المتاحة وبقية أحلامنا باتت بيدنا وليست بيد غيرنا.