تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرات استراتيجية مهمة، في ما يتعلق بموازين القوى الإقليمية، والدولية، فهي ميزان حساس، يمظهر تجاذبات المصالح، خاصة في ظل عدم الاستقرار الذي تشهده المنطقة، من سوريا إلى اليمن والعراق، والعديد من المجموعات الإرهابية.
وظلت الولايات المتحدة لسنوات طويلة، منذ كسر شوكة الاتحاد السوفيتي «سابقاً» في أفغانستان، هي المحرك الوحيد لتوجهات دول المنطقة، بتدخلها في السياسات الداخلية والإقليمية، وكسر شوكة أي دولة تحاول الخروج عن هذه القبضة الأمريكية، حتى في ظل المحاولات الإيرانية للتدخل في شؤون دول المنطقة.
ويبدو أن استراتيجية جديدة بدأت تتبعها إيران في إطار صراعها من أجل المصالح الإقليمية مع المملكة العربية السعودية، إذ ولأول مرة، وبشكل لافت، يدعو الرئيس الإيراني حسن روحاني السعودية إلى وقف «تدخلاتها» في المنطقة، بعد سنوات من توجه أصابع الاتهام إلى طهران باعتبارها صاحبة تاريخ طويل من التدخل في شؤون الدول الأخرى، بل هي لا تخفي هذا التدخل، والذي كشفته العديد من محاولات تصدير الثورة والسلاح بل وكشفه المحاربون والخبراء من الحرس الثوري، في العراق وسوريا واليمن والبحرين. هذه الاستراتيجية ترافقت مع التدخل الروسي بثقله في سوريا، بدعوى محاربة تنظيم «داعش»، ومن قبله توقيع طهران على الاتفاق النووي مع مجموعة «5+1»، وتشكيل واجهة الحلف العسكري الروسي الإيراني الجديد، وهو المركز المعلوماتي لمحاربة «داعش» في بغداد، ثم إجراء مناورات عسكرية روسية قبالة السواحل السورية بمشاركة قطع بحرية إيرانية.أُعلن عن تشكيل المركز، نهاية سبتمبر الماضي، وفقاً لتصريحات من عسكري دبلوماسي في موسكو، ويضم ممثلي هيئات أركان جيوش روسيا وسوريا والعراق وإيران، مهمته جمع ومعالجة وتحليل المعلومات عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط في سياق محاربة تنظيم «داعش»، مع توزيع هذه المعلومات على الجهات المعنية وتسليمها إلى هيئات أركان القوات المسلحة للدول المشاركة في المركز.
وفق توجهات هذا الحلف الجديد، ستشهد المنطقة متغيرات أخرى، ولن تهدأ في ظله، بل ربما تظهر نقاط ساخنة أخرى، إلا في حال نشوء حلف موازٍ، عربي إسلامي، على شاكلة التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن لصالح الشرعية.
إيران كانت تخشى أن يتطور الدور السعودي العسكري الجديد عبر التحالف العربي في المنطقة إلى أن يكون له وجود في أماكن أخرى غير اليمن، في سوريا مثلاً، لذلك جاءت خطوة حلف موسكو وطهران بوجود عسكري روسي على الأرض السورية.
المملكة العربية السعودية راهناً أمام تحديات مهمة جداً لمستقبل المنطقة، في أن تبادر بهذا الحلف الموازي، وينجح ذلك عبر خطوتين استراتيجيتين، هما أولاً تسريع إطلاق الاتحاد الخليجي، وثانياً توحيد الرؤى الاستراتيجية حول المنطقة مع تركيا وأفغانستان وباكستان. وبهاتين الخطوتين، يمكن للرياض بناء حلف، إقليمي قادر على فرض تصوراته بالمنطقة، وكبح جماح أطماع إيران في المنطقة، بعيداً عن الارتهان للقوى الغربية والدول الكبرى.
موسكو تعمل من أجل بناء روسيا الجديدة القوية، وطهران تسعى لمحاصرة دور الرياض المتنامي في المنطقة، وليست واشنطن بعيدة عن هذا الوضع، رغم رؤية البعض بأنها فشلت في الشروق الأوسط في العهد الأوبامي، فهي ربما تكون جزءاً أساسياً في التخطيط لهذه الترتيبات الجديدة في المنطقة، بوضع يدها في يد موسكو، خاصة أن الرئيس باراك أوباما فعل خلال عهده ما لم يفعله سلفه، في ما يتعلق بالعلاقات مع كوبا، ورغم ما شهدته علاقات روسيا والولايات المتحدة خلال أزمة القرم.