شهدت جلسات الملتقى الخليجي الرابع والذي أتى تحت شعار «هواجس أمنية» جلسات في غاية الأهمية والجرأة في الطرح من قبل المتحدثين من كافة أنحاء الخليج العربي. كما جاءت الرعاية الكريمة من قبل صاحب المعالي راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية البحرينية لتؤكد على أهمية هذه الملتقيات الخليجية والتي كانت تتحدث عن الهواجس الأمنية في دول الخليج العربية.
وقد ناقشت جلسات الملتقى عدداً مهماً من المحاور كالأمن السياسي والأمن الداخلي والأمن الاقتصادي والاجتماعي والأمني والعسكري؛ وقد أثرت الورقات البحثية المقدمة من قبل المتحدثين النقاش؛ فما أحوجنا في هذا الوقت أن نتكلم عن «هواجسنا الأمنية». ولم يكن هذا الملتقى كغيره من الملتقيات أو المؤتمرات من حيث الطرح ولد الذات؛ بل كان يتحدث بصراحة مطلقة واضعاً النقط على الحروف؛ ناهيكم عن التوصيات الخلاقة التي عرضها المتحدثون خلال جلساتهم.
وأكاد أجزم بأن جميع الجلسات دون استثناء أقرت في توصياتها بضرورة وجود مراكز للأبحاث في الخليج العربي تعمل على إعداد بحوث علمية رصينة تكون نتائجها وتوصياتها بمثابة خطة الطريق لعمل دولنا الخليجية العربية سواء على الصعيد الأمني أم غيره من الأصعدة.
إن مراكز الأبحاث والدراسات، قبل أن تكون إنتاجاً ثقافياً ومعرفياً، هي منجز حضاري متميز، فهي المرآة التي تعكس اهتمام الأمم والشعوب بالعلم والمعرفة واستشراف آفاق المستقبل وفق المنظور العلمي والمعرفي، كما تعكس توجه الأمم والشعوب في حفظ تراثها ومنجزاتها المعرفية والحضارية. لأن حفظ المنجز الفكري والسياسي والاجتماعي والعلمي لمجتمع ما، هو ممارسة واعية بالتحولات والتطورات التي تحصل في المجتمع، وعملية هادفة لتأكيد ذاكرة المجتمع الحضارية. فتلك المراكز هي بمثابة المخزن والوعاء لذاكرة التاريخ الإنساني، في أبعاده المختلفة، وعلى حسب اهتمام واختصاص مراكز البحث والدراسة. وهي أيضاً كحدث أو منجز حضاري، وليد الواقع النهضوي، الذي يعيشه مجتمع ما، إذ يسعى كل مجتمع في مسيرته إلى تأسيس الأطر والأوعية المنسجمة وظروفه التاريخية، التي تحفظ منجزاته العلمية والمعرفية، وتسعى نحو تطويرها وتأكيدها في الوسط العام.
ولو تحدثنا بلغة الأرقام سنجد أن دولنا العربية كافة والخليجية خاصة تفتقر لمراكز الأبحاث بشكل عام. وإن كانت هناك بعض الجهود فهي جهود مبعثرة غير متكاملة.
ففي العالم الغربي وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية هناك ما يربو على 1828 مركزاً بحثياً؛ وتتبعها الصين بـ426 مركزاً بحثياً؛ ثم المملكة المتحدة بـ287 مركزاً بحثياً فعالاً.
وهنا أشدد على كلمة «فعال» أي أن مركز الدراسات والبحوث سواء أكان حكومياً أو يمثل المجتمع المدني فهو يعتبر قيمة مضافة ويعد أحد أهم المصادر لصياغة الخطط العامة لسياسة الدولة على جميع الأصعدة العسكرية والأمنية والدبلوماسية والاقتصادية والمجتمعية.
ولو قارناها بعالمنا العربي سنجد أن جمهورية مصر العربية تأتي في المرتبة الأولى بـ55 مركزاً بحثياً؛ تتلوها فلسطين بـ43 مركزاً بحثياً ومن ثم العراق بـ43 مركزاً بحثياً.
وللأسف فإن المصدر الذي استقيت منه هذه الإحصاءات لم يأتِ بذكر أحد من دول الخليج العربية لأنه اكتفى بذكر أكثر 10 دول لديها مراكز للبحوث والدراسات.
وبتحليل سريع لوجود دولة فلسطين وجمهورية العراق على رأس الدول العربية التي تتبنى وجود مراكز أبحاث هو الأوضاع الراهنة التي تمر بها هاتان الدولتان. وإيمان الأطراف المحركة لهذه الدول بأهمية البحوث في عملية التخطيط.
أما إذا ما انتقلنا إلى الميزانية التي تخصصها الدول لمراكز الأبحاث فهنا «الطامة الكبرى» فبينما تنفق الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ما يقارب 52% إلى 70% من ميزانيتها العامة على إعداد البحوث والدراسات. تنفق كل من مصر والمملكة العربية السعودية ما لا تزيد نسبته 0.4%!! ولا عجب إذا ما أدركنا بأنه إذا لم تخطط للنجاح فإنك تخطط للفشل حتماً. وأنك إذا لم تخطط لحياتك فإنك تلقائياً تصبح ضمن مخططات الآخرين!!
#شكراً_معهد_التنمية_السياسية
أتقدم بالشكر الجزيل إلى معهد البحرين للتنمية السياسية لاحتوائهم واحتضانهم للباحثين والمؤلفين في مجال التنمية السياسية. وأشكرهم على عملهم الدؤوب والمخلص من أجل تحكيم البحوث العلمية والعمل بالتوصيات الواردة فيها. وأدعو جميع الباحثين والمؤلفين البحرينيين إلى الاستفادة من الفرص البحثية التي يقدمها المعهد للباحثين البحرينيين والتي تهدف للمساهمة في إثراء المكتبة البحرينية ونشر التوعية في مجال التنمية السياسية.
كما وأشكرهم على كافة جهودهم المبذولة في نشر التوعية السياسية باستخدام كافة الوسائل سواء عبر المطبوعات أو الدورات التدريبية المجانية أو المؤتمرات أو المسابقات، والتي كان آخرها مسابقة الخطبة في المجال السياسي.