صحيح أننا لا نناقش ونقر الميزانية سنوياً كما هو مفروض إنما كل سنتين، وهذا خطأ كبير في ظل ظروفنا الاقتصادية، ولكن على الأقل لتكن المكاشفة بين الحكومة والمواطن تقريراً سنوياً ينشر يبين لنا الوضع وكم بقي بيننا وبين الهدف بدلاً من الانتظار كل هذه المدة والسوق مضطرب ومتغير والاقتصاد مهدد والدين العام يزيد بدلاً من أن ينقص.
لا يمكن أن تستمر أي جهة في قيادة العربة في منحدر حاد ومنعطفات كالتي نمر بها ونظل سنتين دون علم بما يجري لسير العربة وركابها جميعهم بلا ضوء يرونه في نهاية النفق ولو كان بصيصاً.
عجز الموازنة لهذا العام الذي قارب على الانتهاء 1.5 مليار دينار بحريني، فماذا فعلت الحكومة منذ يناير 2015 إلى اليوم لتقليص الهوة بين المصروفات والإيرادات وسد هذا العجز؟
اقترضت من السوق وطرحت سندات بقيمة 700 مليون دينار في يوليو من هذا العام وهو الحل الأسهل والأسرع رغم أنه لا يسد الفارق بل يبلغ أقل من نصفه، إلا أن الوضع حرج ولا يتحمل ترف الخيارات المتعددة، وقلنا لا بأس.
وماذا أيضاً فعلت الحكومة لمواجهة ما تبقى من العجز ويصل إلى 800 مليون دينار؟ أعلنت عن حزمة إجراءات من التقشف يطال بعضها أوجه الصرف الحكومي والبعض الآخر يطال الخدمات المقدمة للمواطن، من إعادة توزيع الدعم وغيرها، وقلنا أيضاً لا بأس لنتحمل مع الحكومة.
الآن وعام 2015 قارب على الانتهاء هل أجري تقييم لتلك المبادرات؟ هل نجحت في تقليص الفارق؟ إلى الآن لم تعلن الحكومة عن التخفيض في العجز الذي سيتحقق نتيجة هذه المبادرات؟ حتى نعرف جدواها وإن كانت فعالة حقاً وتساهم في سد الفجوة؟ وهل ستلجأ للاقتراض مرة أخرى لسد الدين بالدين؟
نحن بحاجة إلى أن يتحدث أحد «ما» سواء من الحكومة أو من مجلس التنمية الاقتصادية لا يهم من أي طرف مسؤول عن السياسة المالية للدولة «بالنسبة للمواطن ما فارقه معاه من الذي يقود العربة الاقتصادية، ما دام يعلم أنه يسير على الطريق الصحيح» إنما من الضروري أن «يعلم» «يدري» «يفهم» «يحترم عقله»، من الضروري أن يخبره أحد بالأرقام وبالتاريخ أي من خلال جدولة يجمع فيها حزمة المبادرات التي طرحتها الحكومة منذ بداية العام إلى الآن ليعرف كم تبلغ قيمتها وكم ستخفض من قيمة العجز؟ حتى يعرف إن كان يسير على الطريق الصحيح ويستمر فيه لعام 2016 ويواصل، أم أن هذا الطريق لن يقوده للهدف وأن الفارق سيتسع ويزيد حتى يغير مساره أو يطرح مبادرات أخرى؟ ليخبر أحد ما المواطن هل زادت إيراداتنا وتنوعت ؟ وكم زادت وكيف تنوعت؟ هل قلصنا اعتمادنا على النفط؟ وكم قلصناه؟
لا مانع عند المواطن اليوم من عدم المشاركة في قيادة العربة -رغم أن ذلك حقه- ولكنني أتحدث عن فقه الأولويات الآن، وهو الذي يضع الأهم ومن ثم المهم، والأهم الآن هو أن يطمئن الراكب أنه يقترب من الهدف للخروج من عنق الزجاجة، ومن ثم التأمين وضمان المستقبل، هذا هو الأهم، فإن كان سيطلع على حسن سير العربة أولاً بأول من خلال المكاشفة والشفافية والتواصل المستمر ومن خلال الرقم والتاريخ والوقائع ويرى أنه يسير على الطريق الصحيح وأن الهدف يقترب حتى وإن كان بعيداً فإنه سيطمئن، واطمئنانه سيعزز سير العربة وسيعزز الثقة بالسياسة الاقتصادية وسينعكس هذا الاطمئنان وتلك الثقة على سمعة البحرين ووضعها الائتماني، وربما يتشجع المواطن وحتى المستثمر ويبذل المزيد ويطرح هو الآخر المزيد من المبادرات التي تقربه من الهدف أكثر، فلا أقل من نشر تقرير سنوي تفصيلي يبين سير البرامج والخطط الحكومية لسداد العجز ولتنويع مصادر الدخل وزيادة الإيرادات.
ولكنه مقيد من المشاركة وكذلك تريد أن تبقيه أعمى، فأنت أمام وضع مضطرب سيضر بالسائق بشكل كبير ويلهيه عن التركيز.