توجيهات مجلس الوزراء واضحة في شأن خفض النفقات، وهي معلنة للناس في الصحف ومن خلال ما ينشر من تقرير جلسة مجلس الوزراء.
هذا الإجراء يأتي بشكل حتمي بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ونتيجة لتدني أسعار النفط، في مقابل ضعف الإيرادات التي لا تغطي المصروفات.
وهنا وقبل الخوض في التفاصيل، لابد من التشديد على مجلس النواب وحتى الشورى بضرورة ثبات الموقف بشأن رفع سقف الدين العام، إذ نحن حالياً نعاني من وصوله لحاجز سبعة مليارات، فما بالكم لو وصل إلى عشرة مليارات كما يطلب المسؤولون عن الملفات المالية في البلاد؟! بهذا الوضع نحن في حالة تقشف، فكيف سيكون بالتالي لو زاد الدين، هل سنتقشف على التقشف؟! وهو سؤال طرحناه في مقال سابق.
لذا عملية التعامل مع الظروف الحالية أمر «حتمي» وليست حالة «ترف» أو قراراً «اختيارياً».
وعليه نقف بقوة مع ما مضى إليه سمو رئيس الوزراء حفظه الله في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، بشأن إجراءات تقليل النفقات وضبط المصروفات والأهم تعامل الجهات الرسمية مع مخرجات ديوان الرقابة المالية والإدارية بحيث لا تتكرر هذه المخالفات، مع التشديد على حفظ المال العام والصرامة في التعامل مع تجاوزاته.
في مدرسته الإدارية «ولن أقول مجلسه» خاطب سمو رئيس الوزراء بالأمس رئيس ديوان الرقابة وطالبه بالاستمرار في جهود الديوان المقدرة في كشف أوجه القصور والخلل، وأكد بأنهم يقومون بجهد طيب، وأنه وجه كافة قطاعات الحكومة للتعامل بجدية في اتجاه تصحيح مسارات العمل التي بها قصور والحرص على إنفاق المال العام بالطريقة الصحيحة.
بل وجه لنا سموه الكلام ككتاب رأي بالاستمرار في ممارسة دورنا في نقد الأخطاء والسعي لتقديم الحلول ومساعدة الدولة بإسماعها صوت المواطن ونقل همومه، وهو ديدننا الذي نواصل عليه ونطلب من الله أن يثبتنا عليه.
لكن بالحديث عن خفض النفقات، فإن ما نتمنى رؤيته يتحقق وبشكل فاعل هو ممارسة التشديد الأكبر على مصروفات السادة الوزراء ومن في حكمهم من رؤساء هيئات وقطاعات تابعة للدولة، إذ لو حسبناها فإن الصرف على شاغلي المناصب العليا وما يرتبط بعملهم يفوق بأضعاف المصروفات على شاغلي الوظائف الأقل وما يرتبط بهم من عمل.
لذلك حين نبدأ التقشف وضبط النفقات في أي قطاع لنبدأ من مكتب الوزير أو رئيس الهيئة، بالأخص ما يتعلق بالنثريات على أمور منها مجاملات بإرسال البرقيات وإعلانات التهنئة وباقات الورود «نحن الجرائد تصلنا باقات ورود للتهنئة بذكرى الصدور»، والأخطر يتعلق بعملية ضبط مصروفات السفر والمشاركات الخارجية، خاصة وأن هذا الباب فيه مجالات عديدة لـ»الالتفاف» و»المناورة» لمن أراد الاستفادة من المهام الخارجية ليحولها لسياحة في أغلب وقتها على حساب الدولة، أو كوسيلة مكافأة لبعض الموظفين.
يتوجب اليوم طلب كشوف السفرات في كل القطاعات، جدول بالمشاركات الخارجية ومسبباتها ودوافعها وأهميتها وهل حتمي حضورها أم حضورها «ترف» و»مشاركة فقط»، والأهم ما هي عوائدها على البحرين، وهل من يشارك فيها يتوافق تخصصه وموقعه مع مضمونها؟! لنحسب مصاريفها، والوفد المرافق وكل ما يتعلق بها من أمور، وأجزم بأننا سنجد ثغرات هنا وهناك، ومصروفات لا لزمة لها، توجيهها للداخل أفضل وأوجب.
إن كنا جادين في التقشف لنبدأ من الأعلى ولنضرب الأمثلة للمواطن وللموظفين المتباينين في سلم الترتيب الوظيفي بأن الحكومة بالفعل تبدأ بنفسها، اضبطوا عمل الوزراء وصرفهم وكبار المسؤولين وحراكهم، وهنا نحيي كل وزير ومسؤول قام بهذه الخطوات بنفسه، فكان حريصاً على المال العام ووظفه في أوجهه الصحيحة وبدأ بنفسه في ضبط العمل قبل أن يطبق كل ما يتعلق بصرف النفقات والتقشف على بقية الموظفين.
فقط أذكر بنقطة لها علاقة بخطأ استثناء كبار المسؤولين من قرارات كهذه، إذ استقطاع الـ1% فرض على الناس في القطاع العام والخاص، لكن استثني منه الوزراء وأعضاء البرلمان، وهنا الإشكالية، فالتقشف لا يكون صحيحاً لو لم نبدأ بالمسؤول الأكبر في القطاع قبل غيره.