وصلني عبر «الواتسب» فيديو قصير يظهر مجموعة من رجال الأمن، عسكريين ومدنيين، وهم يضربون شابين، وتم ربط يدي كل منهما خلف ظهره بطريقة وحشية، بالعصي وبالأرجل الممتلئة بالأحذية ومن دون استثناء أي جزء من جسديهما، حتى بدا وكأن الأوامر الصادرة إليهم هي ضربهما حتى الموت، ثم بعد أن أشبعوهما ضرباً أمام جمهور من الحاضرين تركوهما في المكانوعادوا إلى «الثغور».
هذا الفيديو أرسله إلى بعض الأصدقاء مع تعليق ملخصه أن هذه صورة لما يحدث في إيران «الإسلامية» ليعرفوا كيف يتعامل جهاز أمن الملالي مع خلق الله. والغالب فإن من تمت معاقبتهم بهذه الطريقة الوحشية هم من الأحوازيين الذين يبدو أن الملالي استحلوا دماءهم وأفتوا بأن كل ضربة يتلقونها من أي فارسي فيها أجر وثواب عظيم من رب العالمين.
أتوقع أن الكثيرين من المهووسين بالتجربة الإيرانية الفاشلة شاهدوا هذا الفيديو، وأجزم بأن هؤلاء لم ولن يترددوا عن توفير كل المبررات للدفاع عمن قاموا بضرب الشابين، بل دعم رأيهم في ذلك حتى بآيات من القرآن الكريم والحديث الشريف وما روي عن أئمة أهل البيت، ولا أستبعد أنهم يمكن أن يقولوا إن الداخلية الإيرانية عاملتهما في الداخل بطريقة إنسانية وحسب الشريعة! (إذا كان هذا هو ما فعلوه في الشابين أمام الناس فما الذي فعلوه فيهما وهما في أقبيتهم حيث لا يراهم أحد من البشر؟)!
تناقض بين الشعارات التي يرفعها «حماة الدين» الإيرانيون والأقوال التي يرددونها بمناسبة ومن غير مناسبة وبين أفعالهم التي يندى لها الجبين. المهووسون بالتجربة الإيرانية سيقولون ببساطة إن هذا يحدث في كل الدول وخاصة العربية منها، لكنهم ينسون أن إيران تدعي أنها إسلامية وأن هذا السلوك لا يجيزه الإسلام أياً كانت الأسباب (المعتدون على الشابين لم يسمحوا لهما حتى بحماية وجهيهما فقد ربطوا أيديهما خلف ظهريهما).
هذا نموذج من الدولة التي يريد أولئك استيرادها وفرضها هنا، وهذا نموذج لطرق الدفاع عن تلك الدولة الفاشلة في كل شيء. المثير أن هؤلاء يعتقدون أن كل ممارسة تتم في إيران لا يمكن انتقادها لأنها مغطاة بفتاوى خامنئي، الذي هو حسب نظام ولاية الفقية ظل الله على الأرض ووكيله، فما قام به أولئك مع الشابين مغطى بفتوى مرشد الثورة وبالتالي فإنه حكم الله سبحانه وتعالى، ولا نقاش في حكم الله.
طبعاً ما احتواه الفيديو يعتبر هينا إزاء ما يحتويه الواقع اليومي للإيرانيين الذين لا تخلو أيامهم من عمليات إعدام في الشوارع باستخدام الرافعات، ولا تخلو من اعتقالات وأحكام جائرة بالسجن على شباب كل جريمتهم أنهم يطالبون بفسحة من الحرية يشعرون معها أنهم موجودون ومحترمون.
جولة سريعة في الشبكة العنكبوتية تكفي لتبين حجم الجرائم التي تمارسها هذه الدولة في حق الإيرانيين بشكل عام، وفي حق الأحوازيين على وجه الخصوص، فهي لا تستثني الصغار من الإعدام ولا تستثني أحداً من الاعتقال والسجن والضرب المبرح في الشوارع ومن دون أن تسمح لهم بحماية وجوههم.
كل من يشاهد ذلك الفيديو -باستثناء المهووسين بتجربة الملالي- لا بد أن يتألم، ولا بد أني تساءل عن التناقض بين هذا السلوك المرفوض وبين الشعارات الإسلامية والإنسانية التي ترفعها إيران التي تدعو غيرها من الدول الأصيلة إلى مراعاة حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية، وكل من يشاهده يعرف جانباً من الوحشية والدموية التي يتميز بها نظام ولاية الفقيه. والأكيد أن أحداً من المعنيين بحقوق الإنسان في إيران أو أعضاء مجلس الشورى لن يغامر بالسؤال عن سبب قيام شرطة الملالي بذلك، على الأقل كي لا يلاقي العقاب نفسه.