بين ذلك البعض القليل الذي انفصل عن الواقع واعتقد للحظة أنه قادر على أن يحقق ما لا يمكن تحقيقه أبداً ونفذ تلك القفزة المجنونة في الهواء وتسبب في أذى الناس والوطن، وبين البعض القليل الذي قرر منذ البداية أن يتصدى لهذا التصرف الطائش وانتصر للوطن فحمل روحه على كفيه وواجه ذلك البعض بكل ما أوتي من قوة وفكر، بين هذين البعضين يقف بعض كثير من المواطنين يتفرج وكأن الأمر لا يعنيه أو كأنه يحدث في بلد آخر.
من هذا البعض الكثير أدباء وفنانون وصحافيون وأساتذة جامعات واقتصاديون وتجار وأطباء ومهندسون ومحامون وغيرهم كثير، كلهم آثروا الصمت و»وكلوا» الحكومة للدفاع عنهم وعن مصالحهم، والمؤسف أن بعضاً من هذا البعض لايزال يعتقد أنه يمكن أن تتغير الظروف فتخدم أولئك الذين يريدون السوء لهذا الوطن فيضمن لنفسه مقعداً بينهم!
ما جرى ولايزال يجري في بلادنا ليس ثورة، حيث الثورة لا يقوم بها جزء من الشعب دون الأجزاء الأخرى، ما جرى ولايزال يجري يمكن تصنيفه في باب التمرد، تمرد مجموعة من المواطنين على مطالب الشعب الإصلاحية أدى إلى انحرافها عن مسارها، فالأساس كان مطالبة من الجميع بعمل إصلاحات لم تقف الحكومة في وجهها ورأت أنها حق بل أيدتها، ثم سعى البعض إلى حرف ذلك الذي يكفله الدستور وينظمه القانون عن مساره فرفع شعار إسقاط النظام وأدخل بذلك البلاد في منعطف خطير وأدى إلى انقسام المواطنين إلى تلك الأبعاض الثلاثة وتأسس الدرب المطلوب للتدخل الأجنبي حتى وصل الحال إلى أن اعتبرت إيران ما يجري في البحرين اعتداء عليها بعد أن أشاعت أن الدولة تحارب الشيعة وتقف في وجه تحقيقهم لمطالبهم.
اليوم الصورة صارت واضحة وصار بالضرورة أن يقف كل مواطن في الطابور الذي يعتقد أنه عليه أن يقف فيه، لم يعد الوضع يستحمل الحياد، إما أن يقف مع هذا المعسكر أو مع ذاك. لم يعد مناسباً ولا لائقاً ولا صحيحاً استمرار البعض في موقفهم السلبي وكأن الأمر لا يعنيه.
اليوم تتعرض البحرين لهجمة شرسة ومحاولة لقلب نظام الحكم بدعم واضح ومكشوف من إيران التي وظفت كل قدراتها لخدمة أولئك الذين زينت لهم أعمالهم فانحرفوا عن حب الوطن. اليوم لم تعد نوايا إيران محل شك، فكل ممارساتها ومواقفها تؤكد سوء نيتها ودعمها لأولئك الذين أحيوا أملها في السيطرة على البحرين، ولاتزال وزارة الداخلية تكتشف في كل يوم جانباً من المؤامرة التي تقودها إيران و»ملاليها»، ولم يعد ممكناً أبداً التشكيك في إعلانات الأمن العام عن القبض على تنظيمات إرهابية وخلايا ومواطنين تم تدريبهم في معسكرات في إيران أو العراق أو سوريا أو لبنان، لأن كل تلك الإعلانات ترفد بأدلة وبراهين واعترافات وأسلحة وقنابل يتم اكتشافها في مخابئ وسط الأحياء السكنية.
اليوم كل الأمور باتت واضحة ولم يعد هناك أي مجال لذلك البعض الذي لايزال سالباً أن يستمر في وقوفه على الحياد، بل لم يعد مقبولاً من أحد من المواطنين أن يقف مكتوف اليدين، فهناك من يريد السوء لهذا الوطن، والمسألة لم تعد مسألة دفاع عن نظام أو حكومة وإنما هي دفاع عن وطن يحتاج إلى جهد كل فرد من أفراده ليدافع عنه وإلى كل عقل ليعين على كيفية حمايته من هذا الذي يراد له.
الوقوف على الحياد في أول الأمر ربما كان مبرراً على اعتبار أن المشهد ضبابي وغير معروفة تفاصيله، لكن الأمر اليوم مختلف، فالمشهد كثير الوضوح والواجب يحتم وقوف الجميع مع الوطن.