التعاطف مع ضحية وتجاهل ضحية أخرى للإرهاب وفقاً للانتماء المذهبي أو وفقاً للمصلحة الخاصة موقف يثير التقزز والاشمئزاز، لكننا تعودنا على هذا الموقف من الجماعات المتحزبة، حيث الإنسان هو من يصطف مع هذه الجماعات والبقية من البشر «قطيع» يجوز نحرهم.
الحوادث الإرهابية كلها مدانة أياً كانت ضحيتها لبنانية شيعية أو بحرينية سنية أو فرنسية مسيحية أو روسية بلا دين أو عراقية إيزدية أو كردية أو سنية، الحوادث الإرهابية لم تبدأ من الضاحية الجنوبية وتنتهي بباريس، بل بدأت من البحرين وانتهت بباريس ومرت بالقاهرة وبالعراق وبسوريا، ضحايا هذه الحوادث جميعهم دون استثناء من سقط منهم في البحرين أو القاهرة أو العراق أو سوريا بسبب الكره والبغض والعنصرية والتربية الخاطئة والنرجسية والإقصاء، وتتغذى تلك الأمراض وتنمو وتكبر من خلال خطاب يميز بين القتلة ويميز بين الضحايا، فيبكي ويحزن ويندب ويلطم حين تكون الضحية من جماعته أو من جماعة يريد استمالتهم لموقفه.
من الذي يستخدم مادة السي فور ويقتل رجال الأمن هنا في البحرين؟ من الذي يهرب ويخزن ويصنع أخطر المواد التفجيرية هنا في البحرين؟ من الذي هرب وخزن أكبر كمية سلاح ومتفجرات والتي ضبطت في الكويت؟ هؤلاء يتساوون دون نقصان في الإدانة مع من قتل الأبرياء في المآتم والمساجد الشيعية في السعودية والكويت ويتساوون مع من قتل المدنيين منهم في الضاحية الجنوبية بلبنان ومن قتل المدنيين ببراميل المتفجرات ورماهم بالكيماوي في سوريا ويتساوون مع من قتل السنة في العراق على الهوية ويتساوون مع من أحرق معاذاً ومع من نحر الأجانب ومع من قتل الجنود المصريين في سيناء، جميعهم قتلة ومجرمون، إنما المهم أن هؤلاء الإرهابيين القتلة وجدوا بيئة حاضنة لإرهابهم من رجال دين ومن مؤسسات دينية ومن دول ممولة ومن صحف مرخصة ومن أحزاب مرخصة ومن دول أجنبية تمنحهم الشرعية وتمنحهم المجد وتعلي من أفعالهم وتعتبر موت القاتل منهم شهادة وترفع صوره وتدوس على صور ضحاياه، ليكون هناك ضحية «فيرست كلاس» وضحية «ايكونومي» حسب الانتماء والمصلحة.
حتى «الموت» بضاعة يتاجر بها بيعاً وشراء وعرضاً وطلباً ومزاداً خدمة لأجندة سياسية، حتى موت خارج نطاق الإرهاب كموت العزيز خالد البسام رحمة الله عليه ذلك الإنسان الهادئ الذي اختار العزلة وابتعد عن الجميع ليعمل بهدوء لم يسلم من المتاجرة بموته واستغلوا عزاءه لعرض بضاعتهم وفرشوها في «الخلف» أي في العزاء، شيء مقزز فعلاً، ألم يدخلوا الكاميرا إلى المغاسل والمقابر ويقلبوا الجثث وهي عارية ليرفعوا سعر البضاعة في مزادهم الذي باعوا فيه كل شيء؟ أي نفس قميئة هذه التي لا ترعى حرمة ولا تحترم الحقيقة الوحيدة في هذا العالم، يا أخي احترموا الموت على الأقل واستثنوه من تجارتكم!!