الإرهاب كافر لا دين له، هذه قاعدة ثابتة يؤمن بها كل شخص سوي ينبذ العنف والتطرف، في نفس الوقت يؤمن بتعاليم دينه.
نحن كمسلمين نعرف ديننا حق المعرفة، نعرفه بأنه دين التسامح والحلم والمودة، ليس ديننا من يبيح قتل الأبرياء، أو حتى قتل النفس بأسلوب الانتحار، وفي هذا الجانب الدين واضح في بيانه أن المنتحر فوراً في النار.
وعليه حين يتعاطف العالم الإسلامي برمته مع ضحايا عمليات إرهابية تحصل في أرجاء العالم، إنما هو يعبر ببساطة عن أخلاقيات الدين الإسلامي الذي ينتمي إليه، ويؤكد بأن هذه الأعمال التي يرتكبها «تجار دين» و»أدعياء» باسم التدين ليست إلا حرباً موجهة في مقامها الأول إلى الدين نفسه.
قليل في العالم الغربي من ينتبهون لخطأ التعميم، ويدركون حقيقة مفادها بأن هناك فئات صغيرة بأفعالها وتصرفاتها الخاطئة يمكنها بسهولة تشويه صورة أمم بأكملها.
أعجبني مراسل أجنبي في إحدى القنوات الأمريكية حينما سئل عن الجريمة التي ارتكبها المسلمون في فرنسا، وذلك حين قال بأن أي فعل إجرامي يقوم به فرد ينتمي للإسلام يعمم على الجميع وهذا خاطئ، إذ في المقابل لو قام بنفس الفعل مسيحي أو يهودي هل سيكون التعميم بمثل هذه القوة؟!
الممثل الأمريكي الشهير «بن أفليك» له مواقف واضحة من هذه القضية، شارك في برامج حوارية عديدة حاول مقدموها وبعض المتحاورون فيها إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام وتحويله لمرادف لها، كانت له دفاعات واضحة رفض فيها التعميم، وبين -وهو غير مسلم- كيف أن في الإسلام تعاليم سمحاء واضحة وكيف أنه من الجنون وصف أكثر من بليون و700 مليون أي ما يعادل 23% من تعداد سكان العالم وصفهم بالإرهاب، وكيف يكونون أصلاً جميعهم إرهابيين!
نحن نستنكر الإرهاب أياً كان شكله وانتماءه، سواء أكان إرهاباً من جماعات تدعي الانتماء للإسلام، أو جماعات غربية متطرفة بعضها لا ديني وبعضها ديني متشدد، فالإرهاب كما أسلفنا لا دين له، ومن يبرر له ويدافع عنه ويبحث له باستماتة عن العذر هو داعم للإرهاب، وانتقائي في مواقفه، وهؤلاء هم من يخلقون الصورة الخاطئة لدى العالم، بالأخص من يتضررون جراء هذا الإرهاب.
العالم الإسلامي اليوم يعلن بصراحة أنه ضد الإرهاب والتطرف، وأنه يحارب «داعش» و»القاعدة» وأي فصيل يمارس الإرهاب، لكن رغم ذلك تلقى التهمة مباشرة عليه حينما يحصل مثلما حصل في فرنسا وغيرها من دول أجنبية.
بعض التنظيمات الإرهابية لم يكن لها لتكون بمثل هذه القوة والتأثير لولا أن حظيت في فترات زمنية سابقة بدعم أجنبي، ومباركة غربية.
بعض التنظيمات مثل «القاعدة» لم تتأسس قاعدتها وتكبر وتتضخم إلا حينما دعمت من الغرب وتحديداً أمريكا في حرب أفغانستان، وذلك لرغبة أمريكية في كسر الاتحاد السوفيتي، وتحقق الهدف الأول يومها، لكن دارت الأيام وتغير اتجاه فوهة الرشاشات لتستهدف أمريكا نفسها.
محاربة الإرهاب لا تكون بالكلام والتصريحات والاجتماعات العديدة التي لا تخرج بإجراء فعلي فوري عوضاً عن البيانات.
القضاء على هذه الخلايا لابد وأن يكون سريعاً وفورياً، لا أن يترك لها المجال لتتغلغل في الدول وتنشئ لها كيانات ومناطق وتعزز نفسها بالسلاح والعتاد وتبدأ التأثير على ضعاف العقول باسم الدين لينضموا في صفوفها.
فيلم «داعش» الذي بث قبل أيام من تفجيرات باريس بين وجود أشخاص يحملون الجنسية الفرنسية في صفوفهم، ومن لهجتهم العربية يتبين بأنهم ممن استفادوا من عمليات التجنيس الأوروبي ومنح اللجوء التي تتم إجراءاتها بسرعة غريبة في بعض الدول.
مثل هذه الشواهد لابد وأن تجعل الدول الأوروبية والغرب تقف عند سياسة الاحتضان التي تقوم بها، بالأخص حينما تشمل أناساً مطلوبين في بلدانهم الأصلية، وأناساً يجاهرون بتعصبهم الديني، ولديهم نزعة الإرهاب بدافع الانتقام. الإسلام الحقيقي وأهله بريئون من هؤلاء وأفعالهم، بل هم أول من يقول للعالم إنهم في صدارة الصفوف لمحاربتهم، يبقى على الغرب أن يدرك أخطاء بعض صناع سياساته الخارجية حينما ساهم بعضهم في صناعة مثل هذه التنظيمات عبر دعم «أنويتها»، وعبر سياسات الهجرة والاستقطاب، وعبر تعطيل حتى إجراءات «الإنتربول».
إن كنا جادين اليوم بعد هذه الحادثة المخيفة في باريس بشأن محاربة الإرهاب، فعلى المجتمع الدولي أولاً تحديد كل جهة إرهابية ووضع تحركات جادة مشتركة لإنهاء وجودها وبأسرع وقت ممكن، وهذا الكلام ينطبق حتى على الأنظمة الإرهابية مثل النظام السوري وداعميه.