كلنا يعرف أن إنشاء ديوان الرقابة المالية والإدارية ليس فقط لضبط المخالفات المالية كما يتوهم البعض، فسرقة المال العام هو جزء من عمل الديوان وليس كل عمله، فهناك ما هو أكبر من كل السرقات المالية للمال العام، ألا وهي سرقات الجهود البشرية والمهنية عبر حزمة من القرارات الإدارية الفاسدة.
ربما يكون الكشف عن الفساد المالي وتتبعه متاحاً للجميع، لأن كشفه يتطلب مهارات علمية وتدقيق على الكشوفات المالية التي تمتلكها كل مؤسسات الدولة، لكن ما يصعب كشفه هو الفساد المتعلق بطبيعة العمل، فالشللية والمحسوبية والكسل والبيروقراطية وإضاعة وقت العمل وتأخير إنجاز المعاملات والعمل بطريقة غير مهنية، كلها أمور تتعلق بنوعية خاصة من الفساد، قد لا يمكن ضبطه بطريقة علمية أو منهجية، فهو فساد هلامي يصعب رؤيته والكشف عن مرتكبيه، فهو في كثير من الأحيان لا يترك بصماته على أدوات الجريمة، لأنه أقرب إلى الفساد المعنوي منه إلى الفساد المادي.
لا أعلم حقيقة ما يمكن أن يقوله تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية بخصوص هذا النوع من الفساد، وهل يمكن كشف كل أنواعه في مؤسسات الدولة أم ماذا؟ وما هو دور القانون الجنائي في البحرين فيما يتعلق بالفساد الإداري الذي أشرنا لبعض أنواعه قبل قليل؟ وكيف يمكن للقضاء أن يتعامل مع هذا النوع من الفساد الإداري والأخلاقي؟
ليس هذا وحسب؛ بل يمكن لنا أن نتساءل بطريقة مختلفة، هل يمكن لديوان الرقابة المالية والإدارية أن يكشف كل أنواع الفساد المتعلق بالشؤون الإدارية في مؤسسات الدولة؟ خصوصاً إذا ما عرفنا أن هذا النوع من الفساد في غالبية الأحيان لا يترك بصماته فوق أدوات الجريمة الأخلاقية كما ذكرنا، إذ إن من يشعر بهذا النوع من الفساد الإداري والأخلاقي هم العاملون في ذات المؤسسة فقط، أو من ينتابهم الظلم جراء حزمة من القرارات الإدارية الفاسدة التي تركلهم وتستبعدهم من عملية التطوير الإداري والاستحقاق الوظيفي وإحلال شخصيات غير مؤهلة لأخذ مكانهم. وكل ذلك قد يحدث عبر طرح المؤسسة الفاسدة لمجموعة من التبريرات المزيفة لإبعاد الشبهات عن هذا النوع من الفساد الإداري.
هناك الكثير من أنواع الفساد الذي يتعلق بإلغاء أو تجاهل جهود العاملين المخلصين من أصحاب الكفاءات الوطنية، وإحلال بعض العاملين غير الأكفاء مكانهم بطريقة فاسدة وغير أخلاقية، حسب المعادلة «الشللية» التي تقضي بإبعاد وإقصاء الإنسان «الصح» من المكان «الصح»، لا يمكن أم نطرحها هنا، لكن ربما يسعفنا الوقت لطرحها في مقالات قادمة.
نحن نطالب من هنا أن نتعرف على الآلية المتبعة من طرف ديوان الرقابة المالية والإدارية فيما يتعلق بهذه الجزئية من عملهم، والأمر الأكثر أهمية سنطرحه هنا بصيغة استفهامات مشروعة؛ هل يمكن للمواطنين أو العاملين في مؤسسات الدولة أو حتى الصحافة أن تتواصل كجهات وطنية مخلصة مع ديوان الرقابة الإدارية والمالية للكشف عن الفساد الإداري في بعض مؤسسات الدولة؟ وإذا كان كذلك؛ ما هي الآلية المتبعة في هذا الصدد للمساعدة على تصحيح الكثير من المسارات المعوجة في هذا المجال، وإعادة الحقوق للعاملين المهمشين من الكفاءات في مؤسسات الدولة بفعل سياسة التجاهل والشللية وكل أنواع الفساد الإداري؟
في الختام، نتمنى أن يوفينا ديوان الرقابة المالية والإدارية بالإجابة على أسئلتنا المشروعة في هذا المجال، كما لا يسعنا سوى أن نشكره كذلك على كل الجهود الكبيرة والمخلصة في الكشف عن كل أنواع الفساد الحاصل في مؤسسات الدولة من أجل إرجاع الحق والمال العام المسروق إلى خزائن الدولة عبر القانون.