لا بأس أن يعبر هذا البعض أو ذاك بين فترة وأخرى عن غضبه أو عدم ارتياحه من أمر ما يحدث هنا أو هناك بالخروج في مظاهرة، حيث التعبير بهذا الأسلوب يخفف عن النفس أحياناً، عدا أنه حق يكفله الدستور، لكن ألف بأس وبأس من التعبير بهذا الأسلوب بعد كل أمر يحدث هنا أو هناك، ففي هذا استهلاك غير مبرر للطاقة وخلق لأسباب الفوضى التي يمكن أن تتسبب في أضرار كثيرة.
مؤلم أن يحدث انفجار في بغداد يودي بحياة عشرين شخصاً مثلاً كل ذنبهم أنهم تواجدوا في المكان لحظة حدوث الانفجار، ومؤلم أن يحدث انفجار أو أكثر في بيروت يودي بحياة أربعين شخصاً، ومؤلم أيضاً أن يحدث انفجار في أي مكان يودي بحياة الأبرياء كما جرى في باريس، لكن من غير المعقول الخروج في مظاهرات للتنديد بكل انفجار يحدث في أي مكان في العالم العربي أو أي حادث يحدث في أي مكان في العالم لأن هذه الحوادث لا تنتهي، ففي كل يوم بل في كل ساعة يحدث أمر يثير الغضب، ولو عبرنا عن غضبنا من كل أمر يحدث في أي مكان ستتحول حياتنا إلى مظاهرات ومسيرات، فإذا أضيف إليها تلك التي يتم تنفيذها لأسباب ذات علاقة بالأوضاع في الداخل فهذا يعني أن المشاركين فيها سيدمنون على التعبير بهذا الأسلوب وسيقضون جل يومهم في الشوارع يجوبونها من دون أن يستفيدوا أو يفيدوا.
عدد المظاهرات التي يتم تنفيذها هنا في كل أسبوع مبالغ فيه، بل إن الأمر وصل أن البعض صار يخرج في مظاهرات بسبب ومن دون سبب، فهو لا يستطيع النوم إلا بعد أن يخرج في مظاهرة أو أكثر. طبعاً الحديث هنا عن المظاهرات قليلة العدد التي ربما تنتهي مباشرة بعد التقاط الصور وتصوير فيلم فيديو قصير لها «لزوم الشيء»، أو تنتهي بسبب التصادم مع قوات الأمن التي تضطر إلى التعامل معها لأسباب تتعلق بتجاوز القانون والنظام.
كثرة المظاهرات تشبه كثرة البيانات التي تصدر عن الجمعيات السياسية والحركات الدخيلة على العمل السياسي، كلها فاقدة القيمة وعديمة الفائدة، ولو كان يمكن أن يأتي منها خير لجاء في السنوات الخمس التي امتلأت بها إلى حد الملل. المستفيد الوحيد من كل هذا هي الفضائيات السوسة، خصوصاً فضائية «العالم» الإيرانية، والتي لا تستحي حتى من عرض فيلم لمجموعة لا يزيد عدد أفرادها عن عشرين يسيرون وتطلق عليها اسم مظاهرة، في محاولة فاشلة للقول إن البحرين لا تهدأ وإن المظاهرات «تقض مضجع النظام» وأن «الثورة» مستمرة، وما إلى هذا من كلام «مأكول خيره».
الخروج في مظاهرات للتنديد بحدوث انفجار في بغداد أو بيروت أو دمشق أو طهران أو غيرها لا فائدة منه، والخروج في مظاهرات للاحتجاج على صدور حكم أو للمطالبة بالإفراج عن محكوم أو غير هذا لا فائدة منه، والأمر نفسه فيما يتعلق بالبيانات السياسية الكثيرة والمليئة بالعبارات الثورية، كلها لا تنتج إلا ما يشبع تلك الفضائيات وتلك الدولة التي تقف وراءها ولا تتردد عن الحلف بأغلظ الأيمان أنها لا علاقة لها بأي شيء بل لا تدري عنه!
الوقت الذي يصرفه هذا البعض أو ذاك في الخروج في مظاهرات لا تغني من جوع، والوقت الذي تصرفه الجمعيات السياسية في صياغة بيانات لا تسمن، والوقت الذي يهدره البعض في التصريح للفضائيات السوسة وسب أهله ووطنه، هذا الوقت لو خصص جزء منه للتفكير الجاد في إيجاد مخارج للمشكلة التي أدخلونا فيها عنوة لانتهت منذ زمن ولعادت الحياة إلى ما كانت عليه.