المنتدى الخليجي الثالث للإعلام السياسي الذي نظمه معهد البحرين للتنمية السياسية الأسبوع الماضي برعاية نائب رئيس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة تحت عنوان «الإعلام والسلم الأهلي» كان ناجحاً ومعبراً عن تمرس المعهد ومسؤوليه والمنتمين إليه، وما يمتلكونه من خبرة في تنظيم هذا النوع من الفعاليات الكبيرة التي لا يقتصر حضورها على من هم في الداخل فقط. كما أن نظرة سريعة على الموقع الإلكتروني للمعهد يتبين معها مقدار الجهد الذي بذل في تنظيم هذه الفعالية وحجم الخبرات التي وظفت لتوصيل الهدف منها وتوفير كل ما يحتاجه المشاركون فيها.
المنتدى تناول عناوين مهمة عبر ثلاث جلسات قادها ثلاثة من ذوي الخبرة والدراية والمعرفة ساعدت على الوصول إلى النتائج المتوخاة منها، وغطت على الفارق الواضح في قدرات المشاركين في تلك الجلسات، حيث لم يكونوا جميعهم في المستوى المأمول كما لاحظ جمهور الحاضرين.
المنتدون وإن لم يجدوا وسيلة لعدم تكرار كثير مما يقال في مثل هذه المنتديات التي تتناول الإعلام ووسائله الجديدة وتأثيره وطرق الوقاية منه، ورغم أنهم ابتعدوا في أحيان كثيرة عن عنوان الندوة فغاصوا في أمور بعيدة عن العلاقة بين الإعلام والسلم الأهلي؛ إلا أنهم تمكنوا في النهاية من التوصل إلى ما كان يتوخاه المعهد من المنتدى، حيث اتفقوا على أن وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما صار يسمى بالإعلام الجديد، غير المنضبط يؤثر سلباً على أمن المجتمعات والسلم الأهلي، وهذه حقيقة مهمة جداً دفعتهم إلى الدعوة إلى المطالبة بتشريع قوانين تضبط عمل هذه الوسائل المتاحة للجميع والتي لا تخضع للمراقبة وتعين على تعزيز ركائز الأمن والاستقرار.
معهد البحرين للتنمية السياسية ساعد بتحضيره الجيد للمنتدى على استيعاب المشاركين فيه للغاية منه، فشرح كيف أنه «ينعقد في ظل أجواء مضطربة تحيط بدول المنطقة، لاسيما مع انتشار آفة التطرف والإرهاب وتزايد مظاهر العنف والفوضى ومخاطر الصراعات والحروب وتداعياتها على أمن واستقرار المنطقة ككل» وأن المنتدى «جاء ليشكل منبراً مستقراً ودائماً لتعزيز ثقافة الديمقراطية في مجتمعاتنا الخليجية»، ونبه إلى أن التطورات التي يشهدها العالم وتشهدها المنطقة تحتم «العمل على تحصين الجبهة الداخلية من محاولات اختراق المجتمعات الخليجية وبث الفرقة والتعصب والاقتتال فيها، وهدم مقومات الوحدة الوطنية بين أبناء المجتمع الواحد» وأن المسؤولية هنا «مسؤولية مشتركة لا مناص من القيام بها بغية ترسيخ دعائم السلم الأهلي بمفاهيم سليمة تعزز لغة الحوار والتسامح واحترام التعددية وتقبل الآخر».
معهد البحرين وقائدو الجلسات اهتموا بالتأكيد على أهمية دور الإعلام في هذه المرحلة لغرس وتعزيز السلم الأهلي، وبدفع المشاركين في المنتدى إلى المشاركة في رفض كل أشكال العنف واحترام التنوعات والتعددات الاجتماعية والفكرية. من هنا كان الهدف واضحاً ومتحققاً وهو «تعبئة وتحفيز مكامن القوة الإعلامية وتوجيهها نحو ما يعزز من قيم وثقافة الديمقراطية والتعايش السلمي وثقافة الاختلاف والتسامح وقبول الآخر من جهة، ونبذ قيم التعصب، والتوافق على تبني خطاب إعلامي يستوعب الاختلافات والتمايزات التاريخية من جهة أخرى»، حيث اتفق المشاركون على «أهمية تطوير الخطاب الإعلامي الخليجي وجعله يتجه نحو صياغة منظومة جديدة تحترم التمايزات التاريخية تنبذ المقولات والعناوين والرسائل التي قد تكرس العداء والتقسيم الاجتماعي».
لعل أبرز الملاحظات التي أبداها أغلب الحاضرين في المنتدى هي خلو الجلسات من منتدين بحرينيين، حيث اكتفى باختيار بحرينيين اثنين فقط لإدارة جلستين، ومدى توفر الموضوعية في تحديد الفائزين في المسابقة التي خصص لها المعهد جائزتين ذلك أنه كان صعباً تفهم فكرة التوصل إلى اختيار كاتب صحافي واحد من بين أكثر من ألف وأربعمائة كاتب خليجي وعربي، واختيار برنامج تلفزيوني واحد من بين مئات البرامج.