«عمر» الطفل الصغير لم يكمل العامين بعد، ولد بعد شهر من مقتل أبيه عبدالواحد فقير الذي استشهد في تفجير الدير، خلف عبدالواحد أرملة شابة ويتيماً في بطن أمه وثكل أمه بوفاته وهو ابنها البكر في العشرينات من عمره لم يمهلها الإرهاب لتفرح به أباً يحمل «عمر» على كتفه.
قاتله لم ينظر له كإنسان ولم يرَ زوجته الشابة الحامل بأواخر حملها ولم ينظر لدموع أمه وعصرة قلب أبيه الذي رأى أشلاء ابنه تتناثر ورأى جثته الممزقة حين غسله ودفنه، لم يشهد يوم ولادة عمر الذي جدد العزاء على يتمه وحزن أمه.
هذه الصور لن يراها «قتلة» عبدالواحد، ولن يراها أي شخص آخر يعيش ضمن البيئة التي نشأ فيها قتلة عبدالواحد، بل سيرون صورة البطاقة الشخصية لعبدالواحد وهو بالزي العسكري فقط التي اكتفت صحفنا أمس بوضعها مع خبر حكم التمييز، لأن صحفنا لا تضع في اعتبارها ولا تفكر كما يفكر من له «مشروع» يستخدم كل الأدوات لخدمة مشروعه و«الصورة» أهمها، لا يخطر في بال صحفنا أن للإرهابيين مساعدين بوظيفة إعلامي!!
من مصلحة «الحاضنة الإرهابية» أن تكون الصورة الرسمية هي الصورة الوحيدة التي تنشر للشهيد، فهذه الصورة تخفف العبء وربما ربما «تجيز» و«تشرعن» و«تحلل» قتل العسكريين في عرف «الكفاح» و«النضال»، أما صورة عبدالواحد الإنسان الزوج والأب، عبدالواحد الابن البكر لأمه وأبيه، عبدالواحد الشقيق المحب والشقيق الحنون على إخوانه وأخواته غير موجودة، بل تعمل البيئة الحاضنة للإرهاب في محيط قتلة عبدالواحد على إخفاء الصورة الإنسانية وتحرص على عدم وصولها بينهم لأنها قد تحرك الجانب الإنساني فيهم، بل تكبر صورة ذوي القاتل فحسب، لنرى القاتل إنساناً له أم وله أب يفجعان لموته، إنما المقتول فلن ترى غير مسماه الوظيفي!! هكذا تعمل البيئة الحاضنة للإرهاب وهكذا يعمل «مساعد الإرهابي»!
لا ينمو الإرهاب ويكبر إلا حين يجد الحاضنة الاجتماعية التي تعطيه الشرعية وتهيئ له من أمره «رشداً».
«الإرهاب» الذي تعرضت له البحرين شمل أعلى درجات الإرهاب أي القتل، فكانت هناك جرائم قتل بالأسلحة وبالمتفجرات راح ضحيتها بشر من لحم ودم ولهم أسر ولهم أحبة، وخلف يتامى وأرامل وثكالى، إرهاب لا يختلف الموت فيه عمن مات بالضاحية الجنوبية أو من مات في باريس، هو القبر ذاته الذي لم الرفات، هو النزف ذاته الذي أصاب الجرحى، ورغم ذلك مازال الإرهاب الذي جرى في البحرين يحظى بالبيئة الحاضنة له التي تهيئ له ضلاله وإرهابه، المزرعة مازالت مفتوحة تلك التي تعيد غرس الأفكار والأيديولوجيات وتخفي معالم الجريمة وتمنح التمويل وتعمل على إبعاد الأضواء عن الحقائق والوقائع وتوجه الأنظار إلى جهات أخرى حماية للغرس الجديد وتنمية له وسقياً لشتلاته الصغيرة، هناك عمل دؤوب مازال مستمراً حتى اللحظة لخدمة مشروع محدد وواضح وله منفذون كل له دوره وله أدوات يجيد استخدامها المسؤولون عنها.
أما نحن فنبحث عن الهدوء والسلامة والبعد عن الصداع، ومع الأسف تترك هذه البيئة الحاضنة دون مساس ودون ردع ودون كشف لممارساتها التي تظن أنها مخفية وغير واضحة وتتستر بمظلة حرية التعبير تارة وبحرية العمل السياسي تارة أخرى أو بحرية المعتقد.
كتبت هذا المقال إبراء للذمة التي ماتت عند الكثيرين في هذا الوطن.. لم نشأ أن نفتح الجروح ونجدد الألم ولكن الإمعان في الاستهانة بآدمية الضحايا هو الذي يدفعنا إلى الإصرار بالتذكير بها وببشريتها وبإنسانيتها.
فإلى روح عبدالواحد وإلى ابنه عمر الذي لم يرَ أباه إنما من حقه أن يعرف أن أباه روى هذه الأرض بدمه وأننا لن ننساه ولن ننسى أباه.