ذات يوم دخلت أحد المحلات الشهيرة لبيع المكياج. وأثناء تأملي للمعروضات كانت إحدى البائعات تستعد لمساعدتي. وحين وقعت عيناي عليها اكتشفت أنه رجل آسيوي في هيئة «معدلة لامرأة». شعرت بالاشمئزاز، ولكنني تجنبته بهدوء. وتوجهت نحو بائعة أخرى «امرأة حقيقية». كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها رجلاً من هذا «النوع» يبيع في محل نسائي شهير. اعتدنا أن نراهم يتسربون من محلات الحلاقة والمساج الرجالية بخفة وسرعة وبمظهر أقل أنوثة. ظل شعوري بالاشمئزاز يرافقني ومظاهر المكياج تلطخ وجهه والسلسلة الرقيقة تحيط بعنقه والأقراط الناعمة تلمع في أذنيه. وزاد شعوري بـ«القرف» وأنا أتخيله يساعدني في عملية الشراء ويقترح علي المساحيق التي تناسب نوع بشرتي ويرشدني إلى أفضل الألوان الملائمة لها أحدث الخطوط لاستخدامها.
وذات يوم ذهبت لمحل شهير آخر لبيع العطور ومستلزمات التجميل، وحين كنت أنتظر دوري عند المحاسب للدفع. جاء رجل عربي من «النوع المؤنث» لتزويد إحدى السيدات ببعض المستحضرات وأخذ يشرح لها بعض الأمور الخاصة بالمستحضرات وسياسة المحل شرحاً مطولاً. فوقعت عيناي على وجهه!! كان خداه ممتلئين بـ«الفيلر»، وأنفه كان مدبباً بعملية تجميل على طراز «الأنف الفرنسي»، وطبعاً لابد من السلسلة الرقيقة والقرطين الناعمين ولا غنى عن المكياج الدافئ والمتقن. ويبدو أنه لاحظ تأملي لوجهه فوقعت عيناه على نظراتي، ولكنه لم يهتم بتأملي لمظهره، ولم أعبأ بردة فعله. ولكن الذي قطع استرسالي في التأمل خطاب السيدة التي بجانبي له. لقد كانت تخاطبه بصيغة «المؤنث»!!. في البداية خلت أنها حالة تشويش في تركيزي فأصغيت أكثر لكلامها فوجدت السيدة فعلاً تخاطبه بصيغة المؤنث!!
وذات يوم كنت في جلسة مع إحدى صديقاتي، وعبرت لها عن استيائي من تفشي هذه الظاهرة واستخدام هذا «النوع» في المحلات التجارية النسائية الكبرى في البحرين دون خجل أو حياء. فضحكت وقالت لي إنني أجهل قيمة هذا «النوع» في التجارة. فمن خلال سفراتها العديدة لشرق آسيا فإن هذا «النوع» يشهد تطوراً أكبر من ناحية المقاربة الشكلية مع النساء بحيث يصبح أكثر ملاءمة لضرورات الترويج والجذب في العمل التجاري وخصوصاً في المحلات النسائية. والأهم من ذلك هو أن هذا «النوع» يحمل السمات الشكلية النسائية والسمات الجسدية الرجالية. فلك أن تتخيلي، والكلام موجه لي من صاحبتي، أن تشاهدي في المحلات التجارية امرأة «ظاهرياً» في كامل أناقتها وزينتها تحمل علب الكرتون الثقيلة وتقفز من الدرج وتجر البضاعة الكبيرة، بل.. وقادرة على مواجهة أي عملية سطو وعلى الرد بعنف على أي اعتداء من الآخرين!! تلك قيمة اقتصادية كبيرة بدأت تتلمس طريقها إلى محلاتنا التجارية، إنها فعلاً «2 ×1». وهي سلعة مهمة ورائجة في عالم التجارة.
واستخدامي لمصطلح «النوع» في التعبير عن التركيبة «المزدوجة» للموظف/ـة في المحل هو مصطلح مستمد من الدراسات السيسولوجية ما بعد الحداثية التي تعترف بالتنوع في الهوية والثقافة والتي تقر بأن الازدواج في الجنس حقيقة واقعة وأن المفهوم التقليدي «للنوع» ينطلق من منظور اجتماعي ضيق. وتعرّف تلك الدراسات «النوع» بأنه نسق من الممارسات المتشابكة بعيدة المدى لا تشكل السمات البيولوجية الحد الفاصل فيها في كل الحالات. وهناك دراسات مذهلة في هذا الشأن ومنظمات تتبنى قضية مزدوجي الجنس منذ الولادة وحتى كافة تفاصيل حياتهم الاجتماعية.
وبعيداً عن الكلام المعقد «والمفزلك» المذكور سابقاً؛ فإن القصد أن الظاهرة التي شاهدتها وسببت لي «الاشمئزاز والقرف» صارت ظاهرة طبيعية عالمياً ولها منظروها والمدافعون عن حقوق المعنيين بها. يعني باختصار يا جماعة.. هذا زمن العجائب والحقوق المتعددة، فانتظروا المزيد من العجائب!!