الفرق بين ما يحدث باستمرار في البلاد العربية من تفجيرات انتحارية وقتل غير مبرر للأبرياء، حتى في بيوت اللهو، في مثل هذا اليوم المبارك برفع شعارات إسلامية لا علاقة لفاعليها بالإسلام وبين ما حدث في باريس أخيراً وأودى بحياة مائة وثلاثين شخصاً بينهم عرب ومسلمون وجرح أكثر من ثلاثمائة هو صفر، فالفعلان واحد والمنفذ واحد وناتجهما واحد، إلا أن ما حصل في باريس ولأنه بدا غريباً وغير متوقع نال تعاطفاً أكبر وشعر العالم معه بألم أكبر ولعله يكون سبباً في بدء إحساس الغرب بما صار يعانيه الشرق من «البعبع» الذي شارك في إفلاته لأهداف بعضها لم يعد خافياً.
بالتأكيد لا يمكن للغرب أن ينفي عدم ضلوعه في إنشاء داعش، تماماً مثلما أنه لا يمكنه الرد على تصريحات الرئيس الروسي عن الدول الأربعين الممولة لهذا التنظيم، فهو صناعة اشتركت دول كثيرة في إيجادها ولا يتوفر لدى الدول الغربية المشاركة في التأسيس ما يمكن أن تقنع به العالم ببراءتها من ذلك. كل ما في الأمر أنها لم تتوقع أن يدير البعبع رأسه ويعض دولاً غربية، فداعش صنع للشرق وليس للغرب، دون أن يعني هذا بالضرورة أن فرنسا شاركت في تأسيسه وإن كان صعباً عليها تبرير عملية تسهيل خروج «جهاديين» فرنسيين إلى سوريا في أوقات سابقة.
اليوم وبعد أن بدأت بعض دول الغرب تذوق ما ذاقته دول عربية أريد بها شراً بداعش وبغيره من منظمات إرهابية بدأت تنتبه إلى أنها يمكن أن تألم كما يألم الآخرون وتتضرر كما يتضررون، وأن حكوماتها يمكن أن تخسر السلطة بسبب داعش الذي إن لم تتمكن من إقناع الشعوب الغربية من أنها تحاربه وستقضي عليه قضاء مبرماً انتهى أمرها وأتت الشعوب بمن تثق في قدرته على حمايتها.
اليوم صار الغرب في مواجهة داعش بشكل مباشر، وما خلفته «غزوة باريس» من خسائر بشرية ومادية وما ستتكلفه فرنسا ودول أوروبا لاحقاً بسبب هذه العملية البشعة من مصروفات على الأمن قد يشغل داعش عن البلاد العربية لبعض الوقت أو على الأقل يخفف من نشاطه فيها. لكن هل تستطيع فرنسا بهجماتها التي بدأت تنفيذها على مواقع داعش، وخصوصاً في الرقة، أن تقضي على هذا الشر المستطير الذي قال الرئيس الفرنسي إنه لن يهدأ بال فرنسا إلا بعد أن تقضي عليه قضاء مبرماً؟ هل تستطيع تحقيق هذا الأمر الذي لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيقه في سوريا والعراق وهي الدولة الأقوى في العالم؟ هل تستطيع ذلك وروسيا التي لاتزال تقصف مواقع داعش يومياً في سوريا لم تصل بعد إلى أي نتيجة؟
مؤلم أن يتوقع المرء أن فرنسا لن تتمكن من القضاء على داعش الذي أعلن أيضاً عن تهديده لواشنطن وقال إن «غزوة فرنسا» هي البداية وإن الآتي أدهى وأمر ويتوقع أن ينفذ هجمات صعبة في مختلف دول القارة الأوروبية، ومؤلم أكثر أن يعتقد المرء أن كل هذه الدول مجتمعة وبكل ما تملكه من قوة لن تتمكن من طرح هذا الوحش أرضاً وقتله، لهذا بات على دول الغرب مجتمعة أن تثبت أنها قادرة على تحقيق هذا الأمر وإلا انتهى أمرها ولم يعد أحد يثق فيها حتى شعوبها. فهل هذه الدول جادة فعلاً في قرارها القضاء على داعش وتخليص العالم منه؟ أم أنها ستكتفي بتوجيه ضربات تأديبية كي تستفيد منه في مخططاتها التي انكشفت أجزاء منها فتؤكد تورطها في تأسيس هذا التنظيم الخطير؟
لعل الغرب يشارك الشرق اليوم في اكتشافه بأن العالم صار قرية صغيرة وأن من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.