خلال الفترة الماضية تعرض عدد من المسؤولين بالمملكة لمضايقات في شوارع لندن من قبل «معارضين» أو محسوبين على «المعارضة» ظنوا أن القوانين في بريطانيا تحميهم فعمدوا إلى القيام بتلك المضايقات وتصويرها بالهاتف ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدين بذلك «جهالتهم» ودخولهم في مساحات المعارضة «بالغلط»، فما قاموا به لا يقوم به معارضون في أي مكان ولا يمكن لأي معارضة في العالم أن تقبل من أي محسوب عليها مثل هذا الذي قاموا به لأنه عمل مراهقين ويسيء إلى المعارضة ولا يخدمها، ولو أن كل من اتخذ موقفاً من الآخر لسبب أو لآخر التقاه خارج البلاد وفعل معه مثل ما فعل هؤلاء لتعرض «رموز المعارضة» لمواقف صعبة ومحرجة، فهناك أيضاً من يتخذ منهم موقفاً سالباً ويستطيع أن يمارس الأسلوب نفسه معهم في أي شارع من شوارع لندن أو أي مدينة في أوروبا أو أمريكا.
كان المفروض أن تعلن «المعارضة» عن رفضها لهذا الأسلوب «الميهلي» لا أن تعبر عن فرحها بما قام به أولئك المراهقون وتساعد في نشر تلك الفيديوات أو تسكت وكأن الأمر لا يعنيها، فمثل هذه الحركات الصبيانية تقلل من شأنها في عيون كل من يعرف أهمية المعارضة ودورها، خصوصاً وأن مردودها على فاعليها صفر، فهي مجرد «فشة خلق» على حد قول إخواننا اللبنانيين.
من يشاهد تلك الفيديوات التي يفاخر بها البعض ويعتبرها انتصاراً يصدم بمستوى «المعارضة» ولا يستبعد أن يتخذ منها موقفاً، فإذا كان هذا هو مستواها فالأكيد أنها لا يمكن أن تحقق أي تقدم في عملها، حيث العمل السياسي لا يحتوي على مثل هذه الأفعال الصبيانية.
أما المسؤولون الذين تعرضوا إلى تلك المواقف فكانوا لحظتها أمام خيارات ثلاثة اختاروا أعقلها؛ فهم إما أن يدخلوا مع المتعرضين لهم في مشاجرة بالأيدي، أو يقفوا ويتناقشوا معهم ولن يصلوا في هذه الحالة إلى أي شيء وقد تنتهي المناقشة أيضاً بمشاجرة، أو يواصلوا سيرهم وكأنهم لا يسمعونهم فيضعونهم في حجمهم الحقيقي، وهو ما اختاره كل الذين تعرضوا لتلك المضايقات.
المؤسف أن مثل هذه الأمور لا يفهمها أولئك المراهقون الذين يعتقدون أنهم بفعلهم هذا يكونون قد حققوا انتصاراً وانتقموا، فيظنون أن الآخر هرب من المواجهة، وهذا ما ينبغي أن يوضحه لهم «كبارهم» وخصوصاً المقيمين في الخارج والذين يعرفون تماماً أن هذا الأسلوب غير مجد ولا يليق بهم، فلو كان عكس هذا لوقفوا للمسؤولين في كل مكان وفي كل مدينة من مدن العالم.
توضيح مثل هذه الأمور لأولئك المراهقين المحسوبين على «المعارضة» وبيان الخطأ الذي يمارسونه مهمة يجب أن تقوم بها «المعارضة» التي عليها أيضاً أن تؤمن بأن ما قام به أولئك خطأ ولا يليق بها ويقلل من شأنها، وأن تبين الأمر نفسه للفضائيات السوسة التي تعاني من المراهقة الفكرية فلا تتردد عن بث مثل تلك الفيديوات.
كل من يشاهد ما فعله أولئك مرة وكرروه مرات ظناً منهم أنهم يحسنون صنعاً يضع ألف علامة استفهام وعلامة على مستوى «المعارضة» ومدى كفاءتها لشغل هذه المساحة التي تحتاج إلى سياسيين يعرفون كيف يستغلون الظروف، فيحققون لمن يرفعون شعارات الدفاع عنهم ما يجعلهم يثقون فيها.
إن معارضة تصفق لممارسات خاطئة يقوم بها منتمون إليها أو محسوبون عليها لا يمكن أن تجد الاحترام الذي يفترض أن تجده من الآخرين، خصوصاً وأنها تعتبر نفسها الطرف المقابل للحكومة والذي يمكن أن تدخل معها في حوار، فأي حوار يمكن للحكومة أن تدخله مع معارضة لا تزال تمر بمرحلة المراهقة؟ وأي مكاسب يمكن لهذه «المعارضة» أن تحققها وهي تشد على أيدي هؤلاء «الميهل»؟