تمر أمامي بعض الحالات التي أعتبرها «غير مقبولة» البتة، والتي بدراستها ومعرفة ما وراءها من أسباب، يمكننا أن ندرك حقيقة مواجهتنا لخلل خطير يتعلق بالعمل الحكومي.
أتحدث عن حالات تحاول البحث لها عن وظائف خارج إطار العمل الحكومي، بل الأكثر إيلاماً حالات تحاول أن تبحث لها عن فرص عمل خارج البلد!
المقولة الجازمة بأن «العمل الحكومي مضمون» لم تعد بمثابة «معادلة ثابتة» لدى الناس، إلا من هو قانع بوضعه، والذي حينما تشخص حالته تراه إما مستفيداً لأقصى الحدود، أو صاحب طموحات محدودة السقف، أما الكفاءات فهناك كثير منهم من بات لا يعترف بـ»ضمان» العمل الحكومي، لأنه ينظر لجوانب أخرى أكثر أهمية من «استمرارية الوظيفة» أو «استمرار صرف الراتب» والقوانين التي تصعب عمليات «الفصل» و»الاستغناء عن الخدمات»، إذ هذه النوعية من الأشخاص ذوي الكفاءات والطموحات العالية إن هي تعرضت لاستهداف بمبررات «البيروقراطية» أو «تسلط المسؤولين» أو خضعت للعمل بآلية «اتباع رأي وأوامر شخص واحد»، تصبح كفاءات تسير في طور «الموت الداخلي»، بحيث تموت لديها الدافعية، ويموت لديها الطموح، وتنعدم لديها الثقة في تحسن الأوضاع، بل تصل لمرحلة الكفر بالقناعات والشعارات وكل ما يتم ادعاؤه ضمن نظريات الإدارة والممارسة العملية الصحيحة.
لدي نماذج عديدة لكفاءات بحرينية غادرت العمل الحكومي واتجهت للقطاع الخاص، ولعينات غادرت البلاد وآثرت الاغتراب والعمل في الخارج، فقط لأنه تم إيصالها لمرحلة الإحباط، فقط لأنها تعرضت لمحاولات «تحطيم»، ومن قام بهذه الأفعال عينات من المسؤولين الذين بحسبة بسيطة لأدائهم ترى كفة الفشل والتخبط الإداري تفوق كفة النجاح والإدارة الصحيحة للبشر لديهم بشكل كبير ورهيب.
أعرف أن القيادة الكريمة في البحرين لا تحبذ أن يخرج أبناؤها للعمل في الخارج عوضاً عن العمل في الداخل، أعرف تماماً مدى استياء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان حفظه الله ورعاه بالذات حينما يعلم بأن هناك كفاءات غادرت العمل الحكومي أو غادرت البلد للعمل في الخارج.
لكنني أقول وعلى لسان كثيرين ممن أجبروا على ترك العمل في القطاع العام أو داخل البلاد، بأنه ماذا تفعل الكفاءات والطاقات حينما تبتلى في قطاعات عملها بمسؤولين فاشلين في الإدارة، بل في المقابل يعملون على تحطيم الكفاءات بشكل واضح، ويجتهدون في قمع الطاقات وسد كل طرق الترقي والتطور لديهم؟!
لدينا في البحرين نوعيات تستحق جوائز عالمية إبداعية في مجال «تدمير» ثروات البلاد القيمة، ابتداء من الموارد المالية، أو الطاقات والكفاءات الشابة الطموحة.
نتساءل أحياناً بألم: لماذا لا نتطور بسهولة، ولماذا قطاعاتنا تتدهور، ولماذا كفاءاتنا تخرج وتهاجر؟!
الإجابة بسيطة جداً، وللوصول إليها عليكم معرفة الأسباب المؤدية لذلك، وكلها تتمثل أولاً في المسؤولين -بعضهم وليس كلهم- بالأخص المتخبطين إدارياً المحطمين للكفاءات، وثانياً في أساليب العمل والاستراتيجيات التي لا ترتقي لمسمى استراتيجيات.
البلد التي تسعى للتطور ومواكبة تحديات المستقبل لا تخسر كفاءاتها، و»لا تسمح» لأي كان ممن يجلس على كرسي ومنصب أن «يأخذ راحته» في تحطيمها وسد الأبواب أمامها.
الإصلاح الإداري وحماية الكفاءات والحفاظ عليهم يبدأ بدحر أسباب التنفير هذه، ولا يمكنني أن أتخيل دولة تقبل «بسهولة» أن تفرط في كفاءاتها وتترك العمل الإداري ليكون «لعبة» في يد بعض المسؤولين.