لا أعلم بالضبط ماذا حصل في اجتماع أمس -هذا إن تم- بين النواب والجهة الحكومية المعنية بالكهرباء والماء، بهدف مناقشة رفع الدعم عن الكهرباء، وهي العملية التي سيكون وقعها أشد وطأة من اللحوم، ولربما تصنع تذمراً غير مسبوق واستياء غير محمود لدى الناس. لكنني أعلم بأننا في الوقت الذي «تتفتق» فيه عقليات عدد من المسؤولين لدينا في البحرين عن «معالجات» للملف المالي ووضع الاقتصاد المتعثر وأزمة الدين العام، بحيث تسفر عن معالجات على حساب الناس و»التقشف» الذي يطالهم في معيشتهم وفي تحقيق مطالبهم، أعلم بأن غيرنا آخذ في الاتجاه لمعالجة مشاكل مستقبلية متوقعة عبر حلول ابتكارية متقدمة، هي في حد ذاتها تستبق وقوع أي أزمة.
نعم، أتحدث عن الشقيقة الإمارات العربية المتحدة، وأعلم كذلك أن بعض المسؤولين المعينين في مناصب مهمة لدينا في البلد يستاؤون من أية مقارنة تعقد بيننا وبين الإمارات تحديداً، خاصة إن كانت تتعلق بأمور مثل «التخطيط الاستراتيجي» و»حل المشكلات» و»الفعالية في الأداء» و»تحمل مسؤولية المنصب» و»دعم الكفاءات وتطويرها»، كونها في الواقع أموراً نعاني منها ويبرع فيها غيرنا لأنه وبكل بساطة مؤمن «عملياً» بها.
في وقت يكاد فيه مسؤولون يخرجون علينا بتصريحات فيها حالة من استجداء استعطاف الناس بسبب الوضع المالي وبسبب تدهور سعر النفط، تتحرك الإمارات وفق مبادرة شجاعة تحت شعار «وداع آخر قطرة نفط»!
منذ الآن غيرنا يستعد لنضوب مصدر الطاقة الأول، وبالأصح مصدر ملايين الدولارات الأول، ويبحث عن بدائل، بل يصنعها من خلال مبادراته ومن خلال حسن التخطيط واستقراء المستقبل، وعبر تمكين «شباب البلد»، لاحظوا هنا «شباب البلد»، لم يقولوا أجانب ولم يقولوا إبقاء مسؤولين لسنوات طويلة في نفس المواقع ومع نفس الأداء. في مقابل ذلك نحن نتحدث عن حلول لأزمة الدين العام، أولها «مزيد من الاقتراض»، بما يرفع الدين العام. نتحدث عن إعادة توجيه الدعم بشأن السلع، في حين هو رفع للدعم، إذ مبلغ الوفر لا يتجه لجيب المواطن، بل أيضاً لسد جزء من الدين العام. بدلاً من أن نبحث عن حلول مبتكرة وبدائل ونتحدث بكل صراحة عن أسباب المشكلة، نبحث عن الحل لدى المواطن، لا من خلال سؤاله هو عما يراه من حلول، بل عبر التفكير في كيفية تعطيل أية مشاريع لزيادة دخله وتحسين مستواه المعيشي وتطوير الخدمات بمبرر أنه «لا توجد ميزانية»، بل من خلال فرض «التقشف» عليه، رغم أن المواطن لا علاقة له، لا بالتخطيط ولا بالسياسات التي قادتنا لهذه الحالة. نعرف أبعاد المشكلة، ونفهم ما يقوله المسؤولون بشأن الوضع، لكننا مازلنا لا نعرف إجابة السؤال الذي نطرحه مراراً «كيف ستحلون الوضع المالي بالضبط وبالتفصيل، بحيث لا يتضرر المواطن؟!».
لا يكفيني كمواطن أن أقبل بكلام يكرر مفاده أن «الحكومة بدأت بنفسها» في شأن التقشف، إذ كيف تبدأ الحكومة بنفسها وإعادة توجيه الدعم بدأت بالمواطن؟! كيف تكون البداية في الحكومة بينما المواطن لا يمكن أن يزيد راتبه إلا عبر الزيادة السنوية، وأوقفت عملية التوظيف، وقننت عمليات التدريب بالأخص الخارجية، في حين بعض المسؤولين والوزراء مازالوا يطيرون يمنة ويسرة، سواء لفعالية مهمة ملحة، أو لمشاركة يمكن الاستغناء عنها، وعلى الدرجة الأولى ومع طاقم مرافق؟! والأمثلة «المتقابلة» ذات المفارقات كثيرة.
لسنا هنا في معرض شد وجذب، ولا في مجال نسعى فيه للحصول على التبرير، بل كل ما نريد معرفته هو ماذا أعددنا للمستقبل، ماذا خططنا للأجيال القادمة، التي ينتظرها وضع معقد أكثر لو استمررنا على نفس الأسلوب الذي نسير فيه؟!
نريد مبادرات جريئة وجادة تفكر بحلول ناجعة، لا نريد معالجات وقتية «ترقيعية»، ولا ارتجالاً في الأساليب، نريد من بالفعل يلتفت لكفاءات الوطن ويمنحها المسؤولية والثقة إن كانت قادرة على حل المشكلات، لا من يبعدها ويكسرها بحجة أنه «أفهم منها».
مبلغ خيالي قدره 300 مليار درهم «30 مليار دينار» موجه للاستثمار في 100 مبادرة وطنية في القطاعات التعليمية والصحية والطاقة والنقل والفضاء والمياه، إضافة إلى سياسات وطنية جديدة في مجالات تشريعية واستثمارية وتكنولوجية وتعليمية ومالية بهدف تغيير معادلات الاقتصاد الوطني، ودفعه بعيداً عن الاعتماد على الموارد النفطية والأهم تحقيق نقلة علمية ومعرفية متقدمة.
يحصل هذا في دولة شقيقة عزيزة بالإمكان الاستفادة من تجاربها وخبراتها وجديتها في معالجة الأزمات وفي الابتكار والتطوير، لكننا لا نفعل، بل نقدم أنفسنا للمواطن وكأننا متورطون في أزمة لا نعرف الخروج منها، وأن حلها الوحيد هو «التقشف» و»التقصير» على المواطن، بل وصلنا لمرحلة «التلويح» بأن «رواتب الناس» مهددة «إن لم نقترض أكثر».
* اتجاه معاكس:
قبل أن يسن أي مسؤول سيفه أو يجند جوقته، نقول إننا كصحافة وطنية قلبنا على الوطن ومواقفنا نسجلها لأجله وللناس، والقيادة تعلم ذلك، والتاريخ يشهد في أحلك ظروفه، على وقوفنا مع المخلصين لأجل البحرين الغالية.
وعليه فإننا حينما نتكلم بشيء من القسوة والحدة، فإن هدفنا صالح الوطن وأهله، ودعم قيادته ومشروعها الإصلاحي، وأن التصحيح مسار دائم لابد وأن نسير فيه، وإن كانت بعض الطاقات المعتمد عليها لا يمكنها مواكبة ذلك، فالتغيير هو أنسب الحلول، لعل الوجوه الجديدة تكون أكثر قدرة وكفاءة على حل المشكلات بدل تعقيدها أكثر.